للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَسْنَا كَمَنْ كُنْتُمْ تُصِيبُونَ سَلَّةً ... فَنَقْبَلُ ضَيْمًا أَوْ نُحَكِّمُ قَاضِيَا

وَلَكِنَّ حُكْمَ السَّيْفِ فِيكُمْ مُسَلَّطٌ ... فَنَرْضَى إِذَا مَا أَصْبَحَ السَّيْفُ رَاضِيَا (١)

من أجل ذلك جاء الترغيب في القضاء بالحق، كأنه يأخذ بيد الخائف الوجل من هذا الأمر، ويطل به عليه، يبين له أن إكباره خيالٌ كبير، وأن المرء إذا شاء إجراء العدل كان يلي بولايته (٢) القضاء أكبرَ خطة وأصلحَها للكون. ثم جاء الإمام في آخر كتاب الأقضية بالترهيب منه إيقاظًا لنفوسٍ ربما خامرها الذهولُ فاستهونت أمرَه بعد استكباره، ولم ترقب حقَّ الله من الاحتياط فيه، وأخرج في هذا الأخير هاتيكم الكلمة الفذة: كلمة سلمان - رضي الله عنه -.

٢ - وثانيهما يناسب حالَ المرء الذي يلي القضاء، أي أن يكون مكتوبًا على هذا السطر القويم، فتكون رهبتُه من القضاء بعد ولايته أشدَّ من نفوره عنه من قبل، فإن الولاية ربما خيبت أمانيَ وبدلت أخلاقًا. قد تغر بوارقُ المرء فيظن سحابه ماطرًا، وما هو إلا جَهَامٌ (٣) لا ينشئ إلا غمًّا للكون وساكنيه، وحرارةٌ يوقدها بَرقُه الْخُلَّب فيه:

خُلُقٌ أَفَادَتْهُ الوِلَايَةُ إِنَّهَا ... خُلُقٌ يُغَيِّرُ أَهْلَهُ وَيُبَدِّلُ (٤)

[العدل أساسُ صلاح العمران]:

أراد الله تعالى عمران هذا الكون، ففطر البشرَ على الدَّأَب نحو استحصال منافعه وإجابة طلبات نفسه؛ تلك الفطرةُ التي هي أصلُ التسابق لاقتضاء ما يستتب


(١) المرزوقي: شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ١٢٥ (الحماسية رقم ١٦). السلة: السرقة. والشاعر هو هو الشميذر الحارثى أو سويد بن صُمَيْع المرثدى، من بني الحارث. كان أخوه قُتل غيلةً، فقتل قاتلَ أخيه نهارًا في بعض الأسواق من الحضر. (المصدر نفسه، ص ١٢٤).
(٢) من قوله: "أن إكباره" وحتى هذا الوضع لم يبدُ لنا الكلام مستقيمًا، ويبدو أن فيه سقطًا أو تصحيفًا، ولكن لم يتبين لنا وجه الصواب فيه، ولعلنا نهتدي إليه في المستقبل.
(٣) الْجَهَام: السَّحاب الذي لا ماءَ فيه. يقال: جاءني من هذا الأمر بِجَهام: أي بما لا خير فيه.
(٤) لَم أهتد إلى قائل هذا البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>