للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد شُرِع في صدر الإسلام فرضُ الوصية للوالدين والأقربين، (١) ثم نُسِخَ بشرع المواريث المبين في الكتاب والسنة، وجُعِل للمالك حريةُ التصرف في ثلث ماله فيما يعينه له من بعد موته. فكان إقدامُ الشريعة على تنفيذ مقصدها من دوران الأموال مجعولًا في حالة ما بعد الموت؛ لأن مكتسِبَ المال قد قضى منه مرغوبَه في حياته من إنفاق أو كنز، وصار تعلقُه بماله بعد الموت تعلقًا ضعيفًا، فصار علمُه بتشريع قسمته بعد موته لا يثبطه عن السعي والكد في تنميته مدةَ حياته؛ لأن تفكير المرء في مصير ماله بعد وفاته أضعفُ من تفكيره في مصيره في حياته.

على أن الشريعة لم تنس رفقَها بالناس، فجعلت مالَ الحيِّ بعد موته صائرًا إلى أقرب الناس إليه، وذلك مما تطيب به نفسُ صاحبِ المال في مدة حياته، وراعت في مقدار القرب الأحوالَ الغالبة ومظنةَ الود والميل، وإلى ذلك أشار القرآن في قوله تعالى عقب آية الفرائض: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١١].

[الوقف في نظر الشريعة الإسلامية]

عرّف أبو عمر بن عبد البر (٢) الوقفَ في كتابه المسمى بالكافي بقوله: "هو أن يتصدق المالك لأمره بما شاء من [ربعه ونخله وكرمه وسائر] عقاره، لتجري غلاتُ ذلك وخراجاتُه ومنافعُه في السبيل الذي سبَّلها فيه مما يقرب إلى الله تعالى، ويكون الأصل موقوفًا لا يُباع ولا يُوهبُ ولا يورث عنه أبدًا ما بقي منه شيء". (٣)


(١) وذلك في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)} [البقرة: ١٨٠].
(٢) أبو عمر هو يوسف بن عبد الله، المعروف بابن عبد البر النمري القرطبي المالكي، شيخ فقهاء الأندلس ومحدثهم في عصره. ولد سنة ٣٦٨ هـ، وتوفِّي بشاطبة سنة ٤٦٢ هـ. ألف شروحًا على الموطأ، والكافي في الفقه في مجلدين، والاستيعاب في أسماء الصحابة (مطبوع). - المصنف.
(٣) ابن عبد البر: الكافي، ص ٥٣٦. وما بين الحاصرتين لم يورده المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>