للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الرحمة (١)

قضت الحكمةُ الإلهية أن الواردات اللدنية التي يريد الله إيصالَها إلى الموجودين من خلقه، إنما تَرِد إليهم بالكيفيات والأشكال التي ألفتها مداركُهم ليطيقوا تلقيَها والاستفادةَ منها؛ لأن استفادةَ القابل من المبدأ تتوقف على المناسبة بينهما. لذلك كانت المجرداتُ الملكية تتمثل في الأشكال الجسمانية عندما تظهر للرسل والأنبياء، كما ورد في تمثلهم لإبراهيم وللوط عليهما السلام في صورة الضيف، وتمثل ملك الموت لموسى - عليه السلام - في صورة رجل، وتمثل الملائكة لداود - عليه السلام - في صورة الخصمين.

ولذلك لمَّا أراد الله تعالى إرسالَ روحٍ منه إلى الناس كافة بالشريعة العظيمة العامة المهيمنة على ما سبقها، والقائل في شأنها: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢] فطر الحقيقةَ المحمدية نورًا خالصًا من الكدرات، وجعله منتقلًا في الأصلاب الكريمة والأرحام الطاهرة بتدبير إلهي لا يعلمه إلا الذي قدر اصطفاءه في الأزل، إلى أن سَوَّاه بشرًا فأظهره مولودًا مباركًا. (٢)

فكانت تبدو عليه في أطواره كلها دلائلُ المخالفة والارتفاع على معتاد الأطفال ثم الصبيان ثم الفتيان، كما شهدت بذلك الآثارُ الصحيحة المبثوثة في كتب


(١) جوهر الإسلام، العدد ٤، السنة ١، ١٣٨٨/ ١٩٦٨ (ص ٤ - ١٢). وهذه المجلة أنشأها سنة ١٩٦٨ وأشرف عليها الشيخ الحبيب المستاوي (١٩٢٣ - ١٩٧٥)، ثم خلفه على إدارتها نجله الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي.
(٢) انظر في ذلك مقال "نسب الرسول - عليه السلام - ومناسبته لعليِّ ذلك المقام" في القسم الثاني من هذا المجموع.

<<  <  ج: ص:  >  >>