للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دعوة الإسلام إلى الحرية]

الحرية وصف فِطري في البَشَر؛ فإننا نرى المولودَ ييفع حُرًّا لا يعرف للتقييد شبحًا. وإذ قد كان الإسلامُ دين الفطرة كما وصفه الله تعالى بقوله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، فكلُّ ما هو من أصل الفطرة فهو من شُعَب الإيمان ما لم يمنعه مانع.

ويزيد إعرابًا عن كون الحريّة من أصول الإسلام قولُه تعالى في وصف محمد - صلى الله عليه وسلم - ووصف أتباعه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧]. فالإصر هو التكاليف الشّاقّة، والأغلال غير الإصر، فهي مستعارة للعبودية التي كانوا عليها في الجاهلية، وهي عبودية الأصنام وسَدَنَتِها، وعبودية الملوك، وعبودية القادة أصحاب المرابيع. (١) ومِمَّا يزيد هذا بيانًا قولُ عُمرَ لعمرو بن العاص في قصة ولده الآتية: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا". (٢)


(١) جمع مِرباع؛ وهو ربع الغنيمة كان يأخذه سيدُ القبيلة حين يغِير بها. - المصنف.
(٢) لهذه القولة قصة حكاها ابن عبد الحكم، قال: "حدَّثَنا أبو عبدة، عن ثابت البناني وحميد، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: أتى رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذتَ بمعاذ، قال: سابقتُ ابنَ عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربنى بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه، ويَقْدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر: اضرب ابن الألْيَمَيْن، قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال عمر للمصرى: ضع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربنى، وقد اشتفيتُ منه، فقال عمر لعمرو: مُذْ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتنى". ابن عبد الحكم: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين القرشي المصري: فتوح مصر والمغرب، تحقيق عبد المنعم عامر وتشارلز تورِّي (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، ١٩٩٩)، ج ١، ص ٢٢٥ - ٢٢٦. ومن الراجح أن من رواها من أهل الحديث إنما اعتمد على هذه الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>