كتب الفقه الحنفي بابان فرعيان: باب ثبوت النسب، وباب دعوى النسب. وله في الفقه المالكي الاستلحاقُ التابع لباب الإقرار، وفي الفقه الشافعي باب دعوى النسب من كتاب الدعاوى والبينات، وعبر الغزالي في الوجيز بلفظ المستلحق ولفظ الاستلحاق دون العنوان به. (١)
[اقتضاء الفطرة العناية بالنسب]
٢ - إن النسب آصرة متينة من أواصر البشر، ألهمهم الله تعالى العناية بها والدفاع عنها وتعزيزها، لحكمة إلهية تعلقت بها إرادتُه لبقاء النوع الإنساني. فبالنسب تكونت العائلة، ومن العائلات تكونت القبيلة فالأمة.
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤)} [الفرقان: ٥٤]، أي فجعل البشر ذوي نسب وذوي صهر، فذوو النسب الأبناء والآباء والأمهات، وذوو الصهر أقرباء ذوي الأنساب. فذوو النسب المتولدون من زوجات الذكور، مثل بنت الابن فهي ذاتُ نسبٍ لأبيها وجدها ولأمها، وبنت البنت ذاتُ نسب لأبوي أمها وذات صهر لمن عداهما من أصولهما وفصولهما.
فشمل الصهرُ الأخوال؛ إذ هم ذوو صهر للآباء. وشمل الأخوة للأم؛ إذ هم ذوو صهر للآباء أيضًا. وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات: ١٣]، فعَطَفَ "وجعلناكم شعوبًا" على جملة "خلقناكم" مشيرًا إلى أن تكوُّن الشعوب والقبائل ناشئٌ عن خَلق الذكر والأنثى. فالنسب منبثِقٌ عن قرارة السلالة التي تناسل منها الذكورُ والإناث.
ومصدرُ النسب الأمومة، فكان بذلك آصرةً فطرية؛ إذ لا يخلو أحد عن أبوين. وإلى النسب تنضوي أواصرُ القرابة بمراتبها الكثيرة، وأواصر المصاهرة
(١) الوجيز للغزالي، مطبعة الأدب والمؤيد بمصر، ص ٢٧٢ جزء ٢.