للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما التزمت العرب فيه التقديم لفظ مثل وغير في قولهم: "مثلُك لا يبخل، وغيرُك لا يجود"، إذا أريد أنت لا تبخل وأنت تجود، فجعل مثل وغير كنايةً عن المخاطب (١). ويشيرون إلى هذا الجعل بالتقديم المفيد للاهتمام، إذ لا وجهَ لهذا الاهتمام إلا التنبيه إلَى أن المراد بـ "مثل" و"غير" معناهما الكنائي.

[٣ - عوارض أحوال المسند]

قد عرفت أن المسند هو الكلمة المضمومة إلى غيرها لإفادة مدلولها محكومٌ به لذلك الغير، فالمسند هو: خبر المبتدأ، وفعل الفاعل أو نائبه إذا كان الفعل تامًّا، واسم الفعل، والمبتدأ الوصف المستغني بمرفوعه عن الخبر؛ لأن ذلك المبتدأ في قوة الفعل فلذلك عمل في الفاعل، وخبر كان وأخواتها، وخبر إن وأخواتها.

وقد نبهك هذا إلى أن المسند قد يكون اسْمًا، وقد يكون فعلًا. فلا جرم أنك تتطلب الفرقَ بين الداعي للبليغ أن يأتي بالمسند مرة اسْمًا ومرة فعلًا. فاعلم أنه يأتي به فعلًا إذا أراد التقييد بأحد الأزمنة: الماضي والحال والمستقبل، على أخصر وجه، فيغنيه أن يقول: قدم صديقك عن أن يقول قدوم صديقك أمس. فيكون الإتيان بالفعل طريقًا من طرق الإيجاز عند إفادة الزمان، مع ما في الفعل من إفادة كون الوصف غير ذاتي للمسند إليه.

ويزيد المضارع فيدل على تجدد الحصول (٢) آنًا بعد آن، نحو: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥]، ويأتي البليغ بالمسند اسْمًا عند إرادة عدم التقييد بأحد الأزمنة وإرادة عدم التجدد، فقولك: زيد منطلق، لا تعرض فيه لأكثر من إثبات وصف الانطلاق له، فهو شبيه حينئذ بالصفات التي لا دلالة لها على شيء من الحدوث، نحو زيد


(١) القزويني: الإيضاح، ص ٦١ - ٦٣.
(٢) أشرت إلى أن التجدد ينبغي أن يخص بالمضارع، وأما الماضي والحال فلا يدلان إلا على كون الوصف غير ذاتي، وقد عبروا عن الأمرين بالتجدد. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>