للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طويل. مثال ذلك قوله تعالى حكاية عن المنافقين: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤)} [البقرة: ١٤]، أشاروا إلى أن الاستهزاء بالمؤمنين صفةٌ ملازمة لهم ليست بأمر حادثٍ فيهم.

ثم من أحوال المسند الفعلي أن يقيد بالشرط على معنى أداة من أدواته المذكورة مع معانيها في كتب النحو، فلا فائدة في ذكر تفاصيلها في هذا العلم. وإنما يتعلق الغرض ببيان الفرق بين الشرط بإن والشرط بإذا؛ لأن النحاة أهملوه، فإنهما مشتركتان في الدلالة على أصل التعليق والاستقبال دون زيادة، لكن الغالب في الشرط بـ "إن" أن يدل على عدم اليقين بوقوع الشرط سواء كان مستقرب الوقوع لكن بلا جزم كقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ} [محمد: ٣٦]؛ فإن إيمانهم وتقواهم واقعان (١)، أو كان مشكوكًا في وقوعه ضعيف الاحتمال كقول المعري:

فَإِن أَسْتَطِعْ فِي الحَشْرِ آتِكَ زَائِرًا ... وَهَيْهَاتَ لِي يَوْمَ القِيَامَةِ أَشْغَال (٢)

وأما "إذا" فأصلُها الدلالةُ على اليقين بوقوع شرطها نحو: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١)} [النصر: ١] الآية. هذا هو الأصل، وقد جاء على ذلك قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف: ١٣١]؛ لأن نعم الله على العباد كثيرة والمصائب نادرة: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: ٤٥]. وقد تستعمل "أن" في مقام اليقين لتنزيل اليقين منزلة الشك كما إذا كان حال المخاطب حال من يشك في الأمر اليقين كقول طرفة:


(١) والله يعلم من يؤمن ومن لا يؤمن، وإنما أبرز الكلام في صورة ما لا جزم فيه على طريقة العرب لو تكلموا في مثل هذا المقام، لقصد حث المسلمين على الثبات في الإيمان والتقوى كي يجزم المتكلم بحصولهما منهم. - المصنف.
(٢) المعري: سقط الزند، ص ٢٤٨، والبيت في القصيدة التاسعة والخمسين، وهي من البحر الطويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>