للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أعراضِ الناس صار الخطيبُ عندهم فوق الشاعر". (١) ومع ذلك لم يُحْفَظْ من خُطبِهم شيءُ كثير؛ لأن الشعر كان أسرعَ إلى الحفظ وأعلقَ بالذهن. ولما جاء الإسلام وتأسس الدين، ارتفع شأنُ الخطابة، وقُيِّدت آثارُها بشيوع الكتابة.

[أصول الخطابة]

اعلم أن أصولَ الخطابة من حيث أنها كلامٌ مُنشَأٌ لا تفارقُ الأحوالَ الثلاثة التي شرحناها في كيفية إنشاء المعنى من القسم الأول في الإنشاء، وهي المعنى الأصليُّ وتفصيلُه وإيضاحُه، المشار إليها بقول ابن المعتز: "إن البلاغة بثلاثة أمور: أن تغوص لحظة القلب في أعماق الفكر، وتجمع بين ما غاب وما حضر. ثم يعود القلبُ على ما أُعمِل فيه الفكر، فيُحكم سياقَ المعاني ويحسن تنضيدها. ثم يبديه بألفاظ رشيقة مع تزيين معارضها واستكمال محاسنها". (٢) وكلُّ ذلك محتاجٌ إلى طبعٍ سليم، فقد قال أبو داود بن حَريز [الإيادي]: "رأس الخطابة الطبع". (٣)

ولكن الذي يختلف هو كيفيةُ التفصيلِ والتنسيق، وكيفيةُ الإيضاحِ والتعبير. فأما كيفيةُ التفصيل فسيأتي جُلُّها في معرفة أركان الخطبة. وأما كيفية التنسيق فهي في الخطابة أن يتمكَّن الخطيبُ من الموضوع الذي يتصدَّى للتكلُّمِ فيه، ويجمع أصولَه، ويستحضر غايتَه والغرضَ الذي يرمي إليه، ويتصور ذلك بوجهٍ مجمَل، ثم


(١) البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ١٦٦ - ١٦٧. ما بين قوسين إضافة من المصنف، وما بين حاصرتين من كلام أبي العلاء وقد أضفناه.
(٢) سبق توثيق هذا القول.
(٣) سيأتي كلامه كاملًا بعد قليل فراجعه هناك، وأبو داود هذا لم أعثر له على ترجمة، ولم يترجم له الأستاذان المحققان عبد العزيز الميمني الراجكوتي (في تحقيق سمط اللآلي للبكري، لجنة التأليف والترجمة والنشر، ١٣٥٤/ ١٩٣٦، ص ٧١٨) وعبد السلام هارون (في تحقيق البيان والتبيين، مكتبة الخانجي، ١٤١٨/ ١٩٩٨، ج ١، ص ٤٢ و ٤٤). وذكره المصنف باسم أبي داود بن جرير (بالتحتية والراء بدل الزاي)، وضبطه الأستاذان هارون والميمني بالحاء والزاي، وعلى منوالهما نسجنا، علمًا بأنه ورد في بعض نسخ "البيان والتبيين" جرير، كما أشار إلى ذلك محققه.

<<  <  ج: ص:  >  >>