سألني أحدُ أبنائي الأفاضل من شيوخ العلم بجامع الزيتونة عن تأويل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سألتُ ربِّي أن لا يُسَلِّطَ على أمتي عدوًّا مِنْ سوى أنفسِهم": هل هو حديثٌ صحيح أو لا؟ وكيف إذا ظهر صحيحًا يستقيمُ معناه؟
فإنا نرى ونسمع أن المسلمين قد تسلط عليهم غيرَ مرة أعداء من غيرهم، مثل ما حل بالمسلمين في بلاد الأندلس! وهل يستقيم أن نؤولَه بأن العدوَّ ما سُلِّط على الأمة في كل مرة إلا بمعونة خيانة من المسلمين أنفسهم وخذلان بعضهم بعضًا، فيكون ذلك التسليط في المعنى من أنفس المسلمين؟
فأجبته حين السؤال بما استحضرنِي بما يدفع الإشكال، وذلك بعضُ ما يشتمل عليه هذا المقال، ثم بدا لي أن أزيده بيانًا وتحقيقًا، ليكون فهمُ هذا الحديث فهمًا وثيقًا.
[سند هذا الحديث]
هو حديثٌ صحيح، رواه مسلم وغيره. واللفظ الصحيح هو ما في مسلم عن ثوبان مولَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، قال رسول الله: "إن الله زوى لِيَ الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زوى لي منها. وأُعْطِيتُ (وفي رواية: وأعطاني) الكنزين الأحمر والأبيض (يعني الذهب والفضة، قيل أراد الشام والعراق). وإِنِّي سألتُ ربِّي لأمتي أن لا يُهلكَها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم
(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٢، الجزء ٨/ ٩، ربيع الأول والثاني ١٣٥٧/ مايو ويونيو ١٩٣٨ (ص ٣٥٨ - ٣٦١).