إقليم آخر، زيادةً على ما قد يقتضيه طبعُ الفقيه نفسه وطريقتُه التعبيرية وذوقُه البياني من اختلاف في جوهر الموضوع.
فإن القيود والشروط التي يرى أحدُ الفقهاء أن يضبط بها الماهيةَ المسؤول عنها حتى لا تُحمل فتواه على غير محملها، ثم ما يقرر لمحل السؤال من حكم يرجع إلى معنى الحظر أو معنى الإباحة، وما يوجه به الحكمَ الذي اهتدى إلى تقريريه مما يرجع إلى شرح ماهية الموضوع، كلُّ ذلك يقتضي لا محالة جريانَ ألفاظٍ على لسان الفقيه من التعبير عن صورة الواقع وشرحها، وتوجيه ما ينبغي أن تُعتبر به في مجال تطبيق الحكم الشرعي. وهي الألفاظ التي تتقرر بها الماهيةُ، أو أركانُها وشروطُها، وتصبح أمرًا مصطَلَحًا عليه في تقرير الأحكام الشرعية.
وبذلك يختلف طبعًا التعبيرُ عن الموضوع وصوره بين فقيه وفقيه، اختلافًا يكون بعضُه راجعًا إلى ما لاختلاف الأقاليم من أثر في تصور الوقائع يتبع اختلافَ العوائد أو اختلاف الألفاظ الجارية، ويكون بعضُه الآخر راجعًا إلى ما اختار الفقيهُ من الألفاظ أو ابتكر من أساليب لضبط الموضوع وتحقيق أركانه وشروطه، زيادةً على أن الحكم المقرر للمسألة إن كان راجعًا إلى معنى الإباحة والمشروعية، فإنه يقتضي دخولَ الاسم الدال على موضوع المسألة في المصطلح الفقهي إذ يصير من عناوين الأبواب المعقودة للمعاملات المشروعة والعقود الشرعية الصحيحة. بخلاف ما إذا كان الحكمُ راجعًا إلى معنى الحظر وعدم المشروعية، فإنه يقتضي إلغاءه وإسقاط عنوانه، ولا يبقي احتمالًا لضبط ماهيته وبيان أركانه وشروطه. وعلى ذلك توجد أسماء في مذهب ولا توجد في آخر لا يقر مشروعيتَها، فلا يوجد الحبسُ عند الإمام أبي حنيفة وإن وُجد عند صاحبيه وبقية الأئمة، ولا يوجد ميراثُ ذوي الأرحام عند مالك وإن وُجد عند أبي حنيفة.
[[فقه الإمام مالك في الموطأ وتأسيس المصطلح الفقهي]]
على هذه الأصول جرى وضعُ المصطلح الفقهي في المذهب المالكي: ابتداءً على يد الإمام مالك بن أنس، وتطورًا على أيدي أصحابه وأتباع مذهبه حتى القرن