للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي خَفِيت فيه المناسبةُ بين معاني مفرداته وبين المعنى الذي يُراد منه في الاستعمال، أو تردَّدَ الأئمةُ في أيِّ مفرداته كان منشأً لإفادة ذلك المعنى، فيكون صنيعُ أهل اللغة الجزم بحصول ذلك المعنى بقطع النظر عن منشئه.

[المقصد]

فمن المركبات التي استعملت استعمالَ كلمةٍ مفردة ما وقع في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦)} [القيامة: ١٦]، قال ابن عباس: "كان رسول الله يعالج من التنزيل شدةً إذا نزل عليه الوحي، وكان مما يحرك لسانه وشفتيه، فأنزل الله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} [القيامة: ١٧] ". (١) وقد أهمل معنى قوله: "مما يحرك شفتيه" ابنُ الأثير في النهاية، وبينه عياض في المشارق، قال: "معناه كثيرًا ما يحرك به شفتيه. . . قال ثابت (٢) في مثل هذا: كأنه يقول هذا من شأنه ودأبه، فجعل


(١) وتمام الحديث ولفظه عن سعيد بن جبير: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه - فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحركهما، وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه - فأنزل الله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} [القيامة: ١٦, ١٧]. قال: جمعه لكَ في صدرك وتقرأه: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)} [القيامة: ١٨]. قال: فاستمع له وأنصت: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} [القيامة: ١٩]، ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قرأه". صحيح البخاري، "كتاب بدء الوحي"، الحديث ٥، ص ٢. وانظر الأحاديث ٤٩٢٧ - ٤٩٢٩ ("كتاب التفسير"، ص ٨٧٧)؛ ٥٠٤٤ ("كتاب فضائل القرآن"، ص ٩٠٣)؛ ٧٥٢٤ ("كتاب التوحيد"، ص ١٢٩٨).
(٢) هو ثابت بن حزم بن عبد الرحمن العوفي السرقسطي أبو القاسم، المالكي، قاضي سرقسطة. سمع من ابن وضاح، وسمع بمكة وبمصر. ولد سنة ٢١٩ وتوفِّيَ بسرقسطة في رمضان سنة ٣١٣ هـ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>