للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريقة من شعر العرب في توجيه الخطاب إلى المرأة (١)

أرى من أحقِّ المباحث التي تُرْسَمُ في طلائع مباحثِ العربية البحثَ عن أساليب لبلغاءِ العرب وشعرائهم قد التزموها، وحاكُوا نِيرَ أدبِهم على اعتبارها، فأصبحت بكثرة الاستعمال لا يلاحظون فيها خصوصيةً من خصائص علم المعاني والبيان، بل يعاملونها معاملةَ الأساليب التركيبية في فصيح الكلام، وبخاصة ما كان من ذلك مغفولًا عن التنبيه إليه في دواوين اللغة والأدب العربي، ليكون الشعورُ به فاتِحًا أعينَ الواقفين على استعمالِ العرب في أدبهم، وحافزًا للمعتنين بمتابعة فحول الشعراء في أساليب الشعر العربي، كَيْ تظهرَ مزيةُ اللاحقين كما ظهرت مزايا السابقين.

نجدُ لشعراءِ العرب في كلامهم سُننًا لا يكادون يحيدون عنها، يتبع فيها المتأخرُ خطواتِ المتقدِّم، بحيث يُعَدُّ الإخلالُ بها حيدةً عن الطريقة المألوفة. فكانت لغةً من لغة الأدب، ولكلِّ فريقٍ من الناطقين بالعربية أساليبُ تمتاز عن أساليبِ غيره، وقد لا يهتدي الشادي في الأدب لرعي ذلك في فهمه وإنشائه.

وقد عد أئمةُ الأدب أشياء من ذلك، وأغفلوا أشياء. فمما عده أئمةُ الأدب من سنن شعراء العرب في أدبهم افتتاحُ كثيرٍ من أغراضهم في الشعر بالنسيب قبل الدخول في المقصود من القصيد، وهو الأسلوبُ الذي بُنيت عليه المعلَّقاتُ ذات الأغراض، مثل معلقات زهير والنابغة والأعشى ولبيد وعمرو بن كلثوم والحارث بن حِلِّزة، وبخاصة ما كان الغرضُ منها المديح، مثل قصيد علقمة في مدح الحارث


(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٩، العدد ٤، ١٣٧٤/ ١٩٥٥ (ص ٢٠٧ - ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>