للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون سوانح نورية، [فإن من هذه القواعد ما تبتنى على هذه الأنوار]، حتى إن وقع لهم شكٌّ يزول عنهم بالنفس المنخلعة عن البدن". (١) ووجهُ تسمية طريقة أرسططاليس بـ "المشّائيّة"، قيل لأن إمامها لا يعتمد إلا على الأدلة العقلية دون الأذواق والانكشافات الروحية، فهو يمشي مع البرهان، فلذلك قيل له: "المشّاء". وقيل: لأنه كان يُعلِّم تلاميذَه وهو يمشي وهم معه، وهذا هو الصحيح في وجه التسمية.

ولم يزل فلاسفةُ الإسلام يَحْسَبون بونًا بين الحكمتين، ولكن لبعض المحققين منهم ميلًا إلى التوفيق بين الطريقتين في كثير من المسائل، كما فعل أبو نصر الفارابي (٢) في الكتاب الذي أسماه "الجمع بين رأيَي الحكيمَين الفاضلين"؛ يعني أفلاطون وأرسططاليس.

[طريقة الشيخ ابن سيناء في الحكمة]

كان الشيخ ابنُ سينا قد نشأ نشأته الفلسفية على طريقة الحكماء المشّائين، وكان قد ألزم نفسَه العكوفَ عليها في رَيعان شبابه، وكان يُعجب بأرسططاليس الملقب بالمعلم الأول. وقد نقل في آخر منطق "كتاب الشفاء" كلامًا لأرسططاليس قال فيه ما ترجمته: "إنا ما روينا عمن تقدمنا في الأقيسة إلا ضوابطَ غير مفصّلة، وأما تفصيلُها وإفرادُ كلِّ قياس بشروطه وضروبه، وتمييزُ المنتج عن العقيم إلى غير ذلك من الأحكام، فهو أمرٌ قد كدَدْنا فيه أنفسنا وأسْهَرْنا فيه أعينَنا حتى استقام على هذا الأمر، فإن وقع لأحدٍ ممن يأتي بعدنا فيه زيادةٌ أو إصلاحٌ فَلْيُصْلِحْهُ، أو خلل فليسدَّه". فذيّله الشيخ بقوله:


(١) شرح الشيرازي ورقة ٢. - المصنف. شهرزوري، شمس الدين محمد: شرح حكمة الإشراق، تحقيق حسين ضيائي تربتي (طهران: مؤسسة مطالعات، ١٣٨٠ هجري شمسي)، ص ١٣؛ شيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص ٢٤. هذا وهناك بين النشرتين اختلاف في هذا النص الذي استشهد به المصنف من كلام السهروردي لا ندري مأتاه، ولعله بسبب اختلاف النسخ المخطوطة التي اعتمدت في التحقيق.
(٢) المعلم الثاني محمد بن محمد بن طَرَخان (بفتحتين)، منسوب إلى فاراب مدينة فوق بلاد الشاش وراء نهر سيحون في تخوم الصين. توفِّيَ سنة ٣٣٩ هـ. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>