للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزالة (١)

يكثر لك العثورُ في كلام أئمة النقد وصناعة الإنشاء والشعر على ذكرهم وصفَ الجزالة في محاسن الألفاظ. وربما عدَّها بعضُهم في محاسن المعاني أيضًا، فقد قال المرزوقي في مقدمة شرحه لديوان الحماسة: "فطلبوا المعاني المعجبة من خواص أماكنها، وانتزعوها جزلة عذبة". (٢)

ولَمْ أر منهم مَنْ أفصح عن مقومات هذه الصفة وشرائط حصولها. وأنا أبذل مبلغ جهد الفكر في الكشف عن مفاد هذا الوصف، وأقدم ما هو منه وصف اللفظ ثم أتبعه بما هو منه وصف للمعنى.

فأمَّا الجزالة فهي وصفٌ للفظ، مأخوذة من صفات الناس؛ إذ الجزالة في الإنسان هي جودةُ رأيه، وكمالُ عقله، وإتقان فهمه. فيها يكون الإنسان جَزْلًا، أي كامل الإنسانية. وقد استحسن الفقهاء في القاضي أن يكون ذا جزالة رأي، وأرادوا هذا المعنى. وجزالةُ اللفظ عرَّفها ابنُ مكرم في لسان العرب فقال: "الكلام الجزل القوي الشديد، واللفظ الجزل خلاف الركيك". (٣) وظاهرٌ أن مَرْجِعَ هذا إلى معنى


(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٩، العدد ٦، ١٣٧٤/ ١٩٥٥ (ص ٣٤٤ - ٣٤٩).
(٢) ولأهمية كلام المرزوقي في هذا الشأن، نورده بتمامه: "ومن البلغاء مَنْ قصد فيما جاش به خاطره إلى أن يكون استفادة المتأمل له، والباحث عن مكنونه من آثار عقله أكثر من استفادته من آثار قوله أو مثلَه، وهم أصحاب المعاني، فطلبوا المعاني المعجِبة من خواص أماكنها، وانتزعوها جزلةً عذبة حكيمة طريفة أو رائقة بارعة. . ." شرح ديوان الحماسة، ج ١، ص ٧.
(٣) ساق المصنف كلام ابن منظور بشيء من التصرف، ونورده بتمام لفظه حرصًا على تبيين سياقه، قال: "وفي حديث موعظة النساء: قالت امرأة منهن جزلة، أي تامة الخلق. قال [أي أحمد بن يحيى =

<<  <  ج: ص:  >  >>