للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي أن يحبسَ المرءُ على نفسه مدةَ حياته، ثم لمن يعينه بعد وفاته. وسنبدي القولَ في هذا الرأي في المبحث الخامس، فجمهورُ الفقهاء كانوا وسطًا عدلًا بين طرَفَيْ التضييق الذي وقع في قول شريح والتوسيع الذي وقع في قول أبي يوسف.

[انقسام الحبس]

قسم فقهاؤنا الحبسَ باعتبار المحبَّسِ عليه إلى ثلاثة أقسام: الأول: المحصور المعيَّن كالحبس على زيد مدة حياته. الثاني: المحصور غير المعيّن، كالحبس على أناس وذرياتهم. الثالث: غير المحصور ولا يكون إلا غير معيّن، وهو الحبس على من لا يُحاطُ بهم كالفقراء والغزاة والقناطر والمساجد وطلبة العلم. وهذا التقسيم لا أثرَ له إلا في كيفية قسمة الربح، ووقت استحقاق المستحق.

وقد اصطلح أهلُ تونس أخيرًا على تسمية القسمين الأولين بالحبس الخاص وتسمية الثالث بالحبس العام، واصطلح أهلُ مصر على تسمية الأولين بالحبس الأهلي وتسمية الثالث بالحبس الخيري. وليصطلحْ كلُّ قوم على ما شاؤوا، فإن ذلك لا أثر له. فإن الذين أجازوا الحبسَ أجازوا نوعيه، ومَنْ شذَّ عن ذلك - مثل شريح - منع الجميع، فلا يصح التفصيلُ بين نوعَيْ الحبس بأن يبطل أحدُ نوعيه ويُقَرَّرَ الآخر.

ثم إن الوقف الخاص أو الأهلي هو الذي كان أعظمَ سبب لإيجاد الوقف الخيري؛ لأن غالبَ الأوقاف تبتدئ بالوقف على الأقارب والطبقات الخاصة، ثم تعقب على جهات البر العامة؛ لأن إيجادَ قولٍ بإباحة أحد الصنفين ومنع الآخر إحداثُ قولٍ ثالث بعد إجماع الأمة على قولين. وهذا النوع من الإحداث في حكم خرق الإجماع عند كثير من علماء أصول الفقه، ولنا فيه نظر، ولكنا ذكرناه هنا جريًا على قولهم. (١)


(١) انظر مناقشة المصنف لهذه المسألة وتصيله القول فيها في: حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح (تونس: مطبعة النهضة، ١٣٤١ هـ)، ج ٢، ص ١٠٠ - ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>