في الأدب عن الشوق إليه، ولا مبرز عن أن يكون بين يديه. وهذا الكتاب ديوانُ أدب في جواهره وأعراضه، وجامع لأفانين الإنشاء وأغراضه. ولكنه مني منذ أزمان بإعراضٍ من أهل البيان، فخلص للإقبال عليه بطالةُ الشبان، ولعًا بما وصفه من مجالس الخمر والقيان، وما أنشده من غزل في الحسان، فاعتاضوا عن لبه بقشوره، واقتنعوا بالسبح على شواطئه دون خوض بحوره، وأقبلوا على منظومه دون منثوره. على أنه جم الفوائد لغة وأدبًا، ومدار النيرات سيارًا وشهبا، وهو لا محالة محتاج في بيان مراميه لذي إحاطة بالأدب العربي. ولعل عسر كفاءة المشتغلين به هو الذي صرف أهلَ الكفاءة لشرحه عن الاشتغال به، لاستدعائه كفاءتين: علمية وأدبية.
وفي هذا الكتاب دلالةٌ على نهوض علم الأدب في عصره في بلاد الأندلس، فإنك تجد في مراسلاتهم وفي النظم والنثر تلميحات كثيرة إلى أخبار أدباء العرب وقصصهم وأشعارهم، ما يدلك على تساوي المتكلمين والمخاطبين في الشعور بتلك المعاني والأخبار، وإلا لكان تخاطبُهم بذلك عديمَ التأثير في المخاطبين. وقد بقيت منه مواضع لم تفتح أقفالها ولم توضح أغفالها.
وطريقةُ إنشائه طريقةُ النثر المسجوع في التاريخ والتراجم، فهو شبيهٌ بالتاريخ اليميني للكاتب العتبي، وتشبه به ابن بسام في الذخيرة، وابن الخطيب في الإحاطة، وفي الكتيبة الكامنة، ولم يبلغا مبلغه. واشتمل الكتاب على أصناف الأدبيات من قصائد، وأراجيز طويلة، وعلى قطع من الشعر والرجز، وعلى الأمثال، وعلى المخاطبات السلطانية والظهائر، والمراسلات الإخوانية والغرامية، وعلى بعض من مقامة ساقها في ترجمة الوزير أبي محمد بن القاسم، وهو خلي من الموشحات والأزجال، ولعله رآها تحط من قيمة الكتاب الأدبية أسلوبًا وسموا.
[اسم الكتاب]
لم يثبت المؤلف اسمًا لهذا الكتاب في ديباجته. ويظهر [ذلك] من الرسالة التي خاطبه بها أبو محمد بن السيد البطليوسي، فذكر له فيها أنه تأمل في هذا الكتاب