للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطبتين لسيدنا علي - رضي الله عنه - تمثل في إحداهما ببيت الأعشى وفي الأخرى ببيت دريد بن الصمة، وكذا خطبة عبد الملك المتقدمة فإنه ذكر في آخرها بيتَ النابغة (١).

وقد أكثر صاحبُ المقامات في خطبِه المذكورةِ فيها مِنْ ذكرِ الشِّعر، ولا شك أن غرضَه منه إدخالُ طريقةٍ جديدة في الخطابة، إلا أنه لم يُتَابَعْ عليها من أحد، فلم يزل ذكرُ الشعر في الخطب قليلًا جاريًا مَجْرَى التَّمَثُّل.

[التدرب بالخطابة]

قد قدمنا في قسم الإنشاء أن أجدرَ بالغٍ بالمرء إلى اتقان هذه الصناعة هو التدرب والتمرن، ولا شك أن الخطابة إلى ذَلك أحوج، وهي به أعلق؛ فإن لصاحبها فضل احتياج إلى بداهة القول وحسن العبارة. ولا يكاد يَنَالُ ذلك إلا بالتمرن عليها، وإلا كان عالةً على ما حرره المتقدمون، أو التزم كُلَيْماتٍ يعيدها أينما حل، وقد حكى الجاحظ عن محمد بن سليمان أنه كان ملتزمًا خطبةً يوم الجمعة لا يغيرها. ويظهر أن أصولَ التدرب على الخطابة خمسةُ أمور:


(١) بيت الأعشى هو:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا ... وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
وهو في الخطبة المعروفة بالشقشقية صحيفة ٢٢ نهج البلاغة. وبيت دريد هو قوله:
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ... فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ
وهو في صحيفة ٥٣. وبيت النابغة هو:
أَبَى لِي قَبْرٌ لَا يَزَالُ مُقَابِلي ... وَضَرْبَةُ فَأْسٍ فَوْقَ رَأْسِي فَاقِرِهْ
المصنف. انظر مواضعَ استشهاد الإمام علي ببيتي الأعشى ودربد بن الصمة: نهج البلاغة، ص ٢٤ و ٥٥. وانظر في الأبيات الثلاثة على التوالي: ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، نشرة حسين، ص ١٤٧ (والبيت هو السابع والخمسون من قصيدة في ستين بيتًا من بحر الطويل يتغزل فيها بمحبوبته ويذكر الديار والأيام الخوالي، كما يتعرض فيها للهجوم على علقمة الفحل)؛ ديوان دريد بن الصمة، تحقيق عمر عبد الرسول (القاهرة: دار المعارف، ١٩٨٥)، ص ٦١ (والبيت هو السابع عشر في قصيدة من ستة وأربعين بيتًا من بحر الطويل، قالها حين طلق زوجته أم معبد بسبب عتابها إياه على شدة جزعه على أخيه)؛ ديوان النابغة الذبياني، ص ١٣٥ (نشرة ابن عاشور).

<<  <  ج: ص:  >  >>