للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوحدانية بالعقل، فقد يُؤاخذ وحده على الشرك ولا يؤاخذ جميع قومه. وعلى ذلك يُحمل ما ورد في الآثار أن عمرو بن لحي يجر قصبة في النار.

فعندنا: النسبُ الشريف ما انتظم في سمطيه إلا جوهر لم تنخره قادحة، فكانت فرائدُه في سائر الأجيال نيرة واضحة، وما هو إلا نسبٌ زكيُّ العنصر، وما بينه وبين استبانته إلا أن يسمع واع ويرى مبصر.

وأما الحديثُ المرويُّ في صحيح مسلم، فقد تأوله العلماء، ويحق تأويله على كل مسلم. رواه مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أعرابيًّا سأل رسول الله عن أبيه فقال له: "في النار، فقال له: وأين أبوك يا رسولَ الله؟ قال: في النار". (١) على أن أخبار الآحاد لا تنتقض بها أصول الإعتقاد. فإذا كان آباء رسول الله لم تحق عليهم كلمةُ العذاب، فإن بركته مرجوة لهم في رفع منازلهم يوم الحساب، لقول الله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)} [الضحى: ٥]، فعلى المؤمن الموفق أن يكون ممن أعرض عما يخالف هذا وأغضى.

[مولده - صلى الله عليه وسلم -]

لا خلافَ في أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولد يوم الاثنين، كما في صحيح مسلم. (٢)


(١) الحديث المقصود هو ما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك أن رجلًا قال: "يا رسول الله! أين أبي؟ قال: "في النار"، فلما قَفَّى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار"". صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ٣٤٧، ص ١٠٠. ومعنى "فلما قفى"، أي ذهب موليًا، وكأنه من القفا، أي أعطاه قفاه وظهره. وقد عرض المصنف لهذا الحديث ولغيره مما هو في معناه في المقال السابق، فانظر تعليقَه عليه هناك.
(٢) عن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم الاثنين فقال: "فيه ولدت، وفيه أنزل علي". صحيح مسلم، "كتاب الصيام"، الحديث ١١٦٢/ ١٩٨، ص ٤٢٣. وأورد السهيلي أنه قد جاء في إحدى روايات سيرة ابن إسحاق أنه عليه السلام قال لبلال: "لا يَفُتْكَ صيامُ يوم الاثنين؛ فإني قد وُلدتُ فيه، وبُعثتُ فيه، وأموتُ فيه". الروض الأنف، ج ١، ص ٣٩٦. وانظر في المعنى نفسه: ابن كثير: البداية والنهاية، ج ٣، ص ٣٧٣ - ٣٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>