للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجلس الشريف ورد في القرآن، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة: ١١]. قال جمهورُ العلماء من السلف ومَنْ بعدهم: المراد بالمجلس في الآية هو مجلس رسول الله، وسأذكر ذلك في المبحث المناسب له.

ثم إنِّي لم أر لأحدٍ من الباحثين في السيرة مَنْ ذكر هذا المجلسَ سوى عياض في كتاب "الشفاء"؛ فإنه ذكره بكلمة واحدة في غرض آخر؛ إذ قال في فصل زيارة القبر الشريف هذه العبارة: "قال إسحاق بن إبراهيم (١) الفقيه: ومما لم يزل مِنْ شأن مَنْ حجَّ المرورُ بالمدينة، والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره، ومجلسه". (٢) فكان حقًّا علينا أن نَخُصَّه بمقال أتقصَّى فيه ما تناثرَ في خلال كتب الحديث والسيرة؛ فيجيء بحثًا أُنُفًا (٣) يبهج من كان بسيرة رسول الله كَلِفَا.

[صفة مجلس الرسول - عليه السلام -]

إن رسولَ الله هو أكمل البشر، وإن أصحابه هم أفضلُ أصحاب الرسل، وأفضل قوم تقوَّمت بهم جامعةٌ بشريةٌ حسبما بينته في مقال "المدينة الفاضلة" المنشور في الجزء العاشر من المجلد التاسع من مجلة "الهداية الإسلامية"، (٤) فأراد الله تعالى أن يكون أعظمُ المصلحين وأفضلُ المرسلين مقصورًا على التأييد بالدلائل الحقة الباقية على الزمان، وأن يُجرَّدَ عن وسائل الخِلابة والاسترهاب؛ فتكون دعوتُه أكملَ الدعوات، وعِظَتُه أبلغَ العظات، كما كان هو أكملَ الدعاة والواعظين، وفي ذلك حِكم جمة يحضرنِي الآن منها خمس:


(١) هو إسحاق بن راهويه. - المصنف.
(٢) اليحصبي: الشفاء، ص ٢٩٧ - ٢٩٨.
(٣) أُنُفًا: أي جديدًا لا مثال ولا سابقَ له.
(٤) انظر المقال المذكور في القسم الأول من هذا المجموع.

<<  <  ج: ص:  >  >>