للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل داود وابنه سليمان الذي عظم سلطانه، وفخمت مَظاهرُ ملكه التي ما كانت تُنْقِصُ كمالَه النبوي.

وأظهرُ حجة على ذلك أن مَلِكةَ سبأ ما دانَتْ له حين مجيء كتابه إليها بالدعوة إلى الإيمان بالله، والدخول في طاعة ملكه العادل، فقالت: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)} [النمل: ٣٤]. ثُمَّ هي لَمَّا وفدت عليه بمدينته، ورأت من عظمة سلطانه ما أبْهَتَها، ودخلت الصرحَ الممرد فحسبته لجة، هنالك قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٤)} [النمل: ٤٤]. وكذلك فرعون موسى، كان مِمَّا منعه أن يؤمن بموسى أنه لم ير عليه آثارَ العظمة الزائفة؛ إذ قال في تعليل كفره به: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف: ٥٣]، وهي شعار الملوك في عرفهم.

وفي هذا ما يشرح لنا تلك المجادلة التاريخية العظيمة الجارية بين عظيمين من عظماء أمتنا: عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان؛ إذ شاهد عمر حين مَقْدَمه الشامَ فخامةَ إمارةِ معاويةَ هنالك، فقال له: "أَكُسْرَوَيَّةٌ (١) يا معاوية؟ " فقال معاوية: "إننا بجوار عدُو، فإذا لم يَرَوْا منا مثلَ هذا هان أمرُنا عليهم"، فقال عمر حينئذ: "خدعةُ أريب، أو اجتهادُ مصيب، لا آمرُك ولا أنهاك". (٢)

الآن تهيأ لنا أن نُفيضَ القولَ في صفة مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومتعلقاته، وهو مبحثٌ جليل لم يسبق للعلماء الباحثين عن السيرة والشمائل النبوية تدوينُه، وتخصيصُه بالبحث والتبويب، واستيعابُ ما يتعلق به. ومن العجب أن ذكر هذا


(١) كسروية: منسوبة إلى كسرى، والمعنى: أهيئة كسروية أو أإمارة كسروية؟ - المصنف.
(٢) انظر خبر القصة مع اختلاف يسير في بعض ألفاظها في: ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن محمد: العقد الفريد، تحقيق مفيد محمد قميحة (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٠٤/ ١٩٨٣)، ج ١، ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>