للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع إقامة الإنصاف. فقد كان مجلس سليمان - عليه السلام - مكسوًّا بفخامة الملك، وهو مع ذلك منبع لآثار النبوة والحكمة، وكانت مدرسةُ أفلاطون الحكيم محفوفةً بمظاهر الرفاهية والترف وهي مناخ كل أستاذ حكيم.

فأما الأوصافُ المتضادة، فلا شبهةَ في كون مجالسِ العظماء حقًّا تُنَزَّه عمَّا يضاد الحقَّ منها، وأما غيرُ المتضادة فلا يُعدُّ تجردُ مجلسِ العظيمِ عما هو من هذا الصنف مهمًّا إلا زيادةً في عظمته، وليس ذلك بلازم في تحقق أصل عظمته الحقة.

تجري أشكالُ الدعوة الإلهية على حسب استعداد الأقوام لتلقي مراد الله منهم، فيَسُنُّ لهم من الأحوال والهيئات ما هم به أَحْرِياء، (١) لنفوذ مراد الله فيهم. فقد يُتسامح لدعاتهم ببعض المظاهر التي لا حظَّ لها في التأثير الخلقي أو التشريعي، ولا تَحُطُّ من اعتبار صاحب الدعوة في أنظار أهل الكمال، وتُعين على قبول دعوته بين العموم البسطاء؛ لموافقتها بساطة إدراكهم، وعدم منافاتِها الحق. فإن بني إسرائيل لَمَّا فَتَنَتْهم مظاهرُ عبدةِ الأصنام وقالوا لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: ١٣٨]، غضب عليهم رسولهُم، ووبَّخهم على ذلك.

ولمَّا بَهرتْهم مظاهرُ الملك التي شاهدوها عند الأقوام الذين مرُّوا بهم في تيههم والذين جاوروا بلادَهم، وقالوا لنبيهم شمويل: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٤٦]، لم ير نبيُّهم في ذلك بأسًا؛ إذ رآه أعونَ لهم على الدفاع عن جامعتهم، فأقام لهم شاول ملكًا. (٢) ثم خلفه من الملوك مَنْ كان له وصفُ النبوة،


(١) أحرياء جمع حري، بمعنى خليق وجدير.
(٢) وقد حكى القرآن ذلك حيث قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٤٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>