علمًا قائمًا بذاته، ومختصًّا بمصطلحاته وتصانيفه، ولا يدخل في موضوع بحثنا هذا. وإن البعض الآخر من تلك الحقائق العرفية - التي بدأت تشيع في القرن الثاني وهو محل نظرنا في البحث - هو الذي كوَّن عنصرَ المصطلح الفقهي الأخص الذي اتفقت المذاهب في كثير منه، واختلف بعضُها عن بعض في باقيه. وهو الذي أخذ يتسع وينمو في القرون الموالية، ويبعد فيه ما بين المذاهب، بحسب ما اقتضاه توفر المباحث الفقهية وتفتقها وتفننها.
[[عوامل تكون المصطلح الفقهي في المذهب المالكي]]
فإذا نحن وقفنا عند نقطة الافتراق هذه، وتركنا علمَ أصول الفقه يسير بمصطلحاته ونظرياته منحدرًا من رسالة الإمام الشافعي إلى ما تتابع بعدها من تصانيف على الأصول، ثم تعلقنا في موقفنا هذا بالعمل الفقهي في معناه الأخص الذي يُتصور في إفتاء أئمة المذاهب الفقهية في المسائل بتقرير ما يستنبطون لها من الأحكام الشرعية، فرأينا سفيان الثوري وأبا حنيفة ومالكًا والأوزاعي والليث بن سعد، ومَنْ نشأ بعدهم من أضرابهم أو أصحابهم منتصبين لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها والناس يستفتون، رأينا كلَّ واحد من هؤلاء الفقهاء العظام في المصر الذي هو إمامه يَتَلَقَّى الأسئلةَ التي يرجع بها إليه القاصدون إلى معرفة الحكم الشرعي من أهل ذلك المصر، فيرجع في طلب الحكم إلى الأدلة الشرعية، سالكًا المسلكَ الذي تفقه عليه وتخرج فيه، وهو المسلك الذي تأصَّل وتسلسل في ذلك القطر نفسه من عهد فقهاء الصحابة الذين تكونت المراكزُ الفقهية بإقامتهم في تلك الأمصار، واختلفت المسالكُ الاجتهادية فيها بتفرقهم بينها.
فيكون بذلك لاختلاف الأقاليم وبيئتها، بين مكة والمدينة والعراق والشام ومصر، أثرٌ قويٌّ في اختلاف التصوير للحوادث، والتعبير عن الأحكام، كثيرًا ما يقتضي أن تكونَ الألفاظُ الواردة على لسان الفقيه في تقرير الحكم لمحله منطبعةً من ذلك التأثير الإقليمي بما تختلف به لغةُ الفتوى عنده عن لغة الفتوى عند فقيه آخر في