والعلة، والحكم وأقسامه، والقياس، والاستحسان، وقول الصحابي، وعمل أهل المدينة، وسدّ الذرائع.
الثاني: تعبيرهم عن صورة الأقضية التي لم يسبق عنها في لسان الشرع، وتناولها الفقهاء لبيان الأحكام الشرعية المنطبقة عليها، بإدخال الجزئياتِ تحت كلياتها وإلحاق الأشياء بأشباهها.
أما الأمر الأول، فإن الإفصاحَ عنه لم يكن رائجًا في القرن الأول الهجري، قرن الجيلين الأولين: جيل الصحابة وجيل التابعين؛ لأن الفقهاء من الجيلين الفاضلين كانوا يفتون في الحوادث ببيان ما ينبغي من فعل أو ترك، ولم يكونوا يعبرون عن التقديرات الذهنية التي يعتمدون عليها في أنفسهم للتوصل إلى معرفة الحكم. فلم يكن الفقهُ مذاهبَ ذات أصول يتميز بعضُها عن بعض بما تتميز به المذاهب والمناهج، ولم يتخذ الفقهُ صورةَ المذاهب إلا من ابتداء القرن الثاني، لمَّا بدأ الفقهاء يعبرون عن استدلالاتهم وتقديراتهم، ويناقش بعضهم بعضًا في ذلك بما يتبين به اختلافُ المذاهب بين فقهاء الأمصار، على نحو ما تجد في المراسلات التي بين الإمامين مالك بن أنس والليث بن سعد في حجيّة عمل أهل المدينة وما نجد في كتب الإمام الشافعي من بحث في حجية الاستحسان وحجية عمل أهل المدينة، وغير ذلك مما تولد منه علمُ أصول الفقه.
وأما الأمر الثاني - وهو تسميةُ صورة الحادثات، وأنواع المعاملات والعقود - فقد كان الفقهاءُ يعبِّرون في ذلك عما يُسألون عنه مما يجري بين الناس، فكان يتلاقى في تعبيرهم ما يُسمِّي به الناسُ الأشياءَ وصورَ العقود المسؤول عنها مع ما يختار الفقيه من مسالك التعبير عن ذلك وعن وجه الحكم الشرعي المتعلق به.
ومن مجموع هذين الأمرين يتبين أن رواجَ الألفاظ العرفية الفقهية غيرِ الواردة في لسان الوحي لم يشع إلا من القرن الثاني، وأن بعض تلك الحقائق العرفية هي التي تكونت بها نواةُ علم أصول الفقه فانفصلت عن علم الفقه، وذهبت تكون