عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتَهم، وإن ربِّي قال: يا محمد! إنِّي إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يرد، وإنِّي أعطيتُك لأمتك أن لا أهلكَهم بسنة عامة، وأن لا أُسَلِّطَ عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتَهم، ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها (أو قال: من بين أقطارها)، حتى يكون بعضُهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا".
ورواه أبو داود والترمذي وأحمد بن حنبل وابن ماجه وابن حبان عن ثوبان بأطول من هذا يزيد بعضهم على بعض. (١)
[[معنى الحديث]]
وهذا الحديث مع إشكاله لَم يتناوله شراحُ الحديث - عياض والنووي والأبي من شراح مسلم، وابن العربي في شرح الترمذي، والخطابي في شرح كتاب أبي داود - بما يستحقه من البيان، بل تراهم أعرضوا عن بيان المراد منه، وموافقته لما ظهر من الحوادث. وقصدنا الاقتصارُ على محل الإشكال من رواية مسلم.
ومعناه الذي أرى أن هذا الحديث مسوق للبشارة والتحذير معًا، وأنه جاء على سنن البلاغة النبوية بإيجاز بديع، وأنه يدل على أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دعا ربَّه دعوةً استجيبت له، فأراد إدخالَ السرور بها على أمته ليعلموا كرامتَهم على الله ويزدادوا معرفةً بقدر رسولهم.
(١) ورواية مسلم عن ثوبان هي: "إن الله زوى لِيَ الأرض، فرأيت مشارقَها ومغاربها. وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوِيَ لي منها. وأُعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض. وإني سألتُ ربِّي لأمتي أن لا يهلكَها بِسَنَةٍ عامة، وأن لا يُسَلِّط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتَهم. وإن ربي قال: يا محمدُ، إنِّي إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرد، وإنِّي أعطيتك لأمتك أن لا أُهلكَهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها - أو قال: مَنْ بَيْنَ أقطارها - حتى يكون بعضُهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضُهم بعضا". صحيح مسلم، "كتاب الفتن وأشراط الساعة"، الحديث ٢٨٨٩، ص ١١٠٦ - ١١٠٧. سنن أبي داود، "كتاب الفتن والملاحم"، الحديث ٤٢٥٢، ص ٦٦٦؛ سنن الترمذي، "كتاب الفتن"، الحديث ٢١٧٦، ص ٥٢٤ - ٥٢٥؛ سنن ابن ماجه، "أبواب الفتن"، الحديث ٣٩٥٢، ص ٥٦٧.