للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دل على أن الدعوةَ مستجابةٌ قولُه في آخر الحديث، فيما يرويه عن ربه: "وإني أعطيتك لأمتك أن لا أسلط عليهم عدوًا" إلخ، وفيه تحذير مما يخشى وقوعه بين المسلمين من التقاتل. وله نظائرُ في التحذير كثيرة، منها قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض".

والتسلطُ في كلام العرب هو الغلب، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} [النساء: ٩٠]. واشتقاقُه من السلاطة، وهي الشدة، يقال: فلان سليط اللسان، أي: خبيث القول، ومنه اشتقت السلطة والسلطان.

وقد أُريد بالتسليط هنا الشدة، وهو تسليطُ الإهلاك والاستئصال، بدليل مجيء فاء التسبب الجعلي عقبه في قوله: "فيستبيح بيضتَهم"، فيعود الكلام إلى معنى: "وأن لا يستبيح عدوُّهم بيضتَهم".

والنكتةُ في ابتداء الدعاء بنفي التسليط ثم تعقيبه بنفي الاستجابة هي التأدُّب بإسناد الفعل المطلوب إلى الله تعالى، وأن العدوَّ إذا لم يسلطه اللهُ لا يستطيع استباحةَ بيضة المسلمين. والسين والتاء في الاستباحة للصيرورة، مثل قولهم: استقام الأمر، أي: صار قيمًا، فالمعنى: فتصير بيضةُ المسلمين مباحةً لهذا العدو المسلط، والإباحة في الأصل المكنة، قال الشاعر:

أبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا ... خَلَا الشَّمْطَاءِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ (١)


(١) هذا ثاني بيتين استشهد بهما ابن عقيل في باب الاستثناء، وأولهما:
تَرَكْنَا فِي الْحَضِيضِ بَنَاتِ عُوجٍ ... عَوَاكِفَ قَدْ خَضَعْنَ إِلَى النُّسُورِ
وقد ذكر محققه أن هذين البيتين من الأبيات التي لم يقف "على نسبتها إلى قائل معين"، وقد اجتهد صاحب هذه الحاشية في ذلك ولكن بدون طائل. شرح ابن عقيل، ج ٢، ص ٢٣٦. (وفيه: "عدا" بدل "خلا").

<<  <  ج: ص:  >  >>