للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة خفية من مباحث الفلسفة الإسلامية: وحدة الوجود (١)

ترى في كلام فلسفة الصوفية والمتشبهين بهم تردادَ هذه العبارة: عبارة "وحدة الوجود". وأحسب أن أكثر مَنْ يكتبها بقلمه، أو يلوكها بفمه، لا يغوص في حقيقتها إلا عن ثماد، أو يرتمي برواحل فهمه في كل واد. وقد ذاكَرَنِي فيها بعضُ الأعزة، فرأيته محبًّا لبيان حقيقتها، وله شيْمٌ (٢) نحو موقع بريقها، قائلًا إنه تطلب مراجعتَها فلم يُلف مَنْ حققها. ولقد صدق فيما وصف، فإنِّي أيضًا لم أر مَنْ شفَى فيه غليلَ الطالب بما كشف، لذلك كتبت له هذه الورقات، وعسى أن تكون مُسيغةً لأفهام متعطشة وأخرى شَرِقَات.

إن للوجود حقيقةً متقررةً في نفس الأمر، وهي أمرٌ زائد على ماهية الشيء الموجود، إلا أنها لازمٌ بَيِّن لماهية الموجود، فكلُّ شيءٍ موجود فله وجود، ولولا وجودُه لم يكن موجودًا. فالوجود أمر متحقِّقٌ في نفسه؛ لأن ثبوتَ الوجود للماهية الموجودة فرعُ ثبوتِه في نفسه، فالوجود مع كونه ثابتًا للموجودات هو حقيقةٌ مطلقة جامعة لكل شيء، بناءً على أنَّ الشيء لا يُطلق إلا على الموجود. (٣)


(١) الهداية الإسلامية، المجلد ١٠، الجزء ٩، ربيع الأول ١٣٥٧/ مايو ١٩٣٨ (ص ٥١٧ - ٥٢٢).
(٢) تطلع مع ترقب.
(٣) قال عضد الدين الإيجي وشارحُه الشريف الجرجاني في مبحث "المعدوم شيء أم لا" توضيحًا لهذه المسألة: " (فقال غير أبي الحسين البصري وأبي الهذيل العلاف) والكعبي ومتبعيه (من البغداديين من المعتزلة إن المعدوم الممكن شيء)؛ أي ثابت متقرر في الخارج منفك عن صفة الوجود". ثم قال بعد بيان الأساس الذي بنى عليه هؤلاء قولَهم بشيئية المعدوم: " (ومنعه [أي كون المعدوم شيئًا] =

<<  <  ج: ص:  >  >>