وملاكُ النصح له هو النصح لمتعلميه؛ لأن المتعلم هو القطبُ الذي تدور حوله حركةُ التعليم، والنصح له هو جامع غايات النظم التعليمية. وإن نصح المتعلمين يُجمع في تزويد أفهامهم من العلم الصحيح، وذلك هو المقدارُ العلمي الذي يجد العالمُ به سهولةَ العمل بمعلوماته كلما دعته حاجة إلى العمل بها في تفكير نفساني، أو في معاملة مع الناس، أو في تحرير خطاب، أو شغل أو تدبير مهم، أو فهم دقائق العلماء. فالنصح للطلبة يحصل بالاستكثار من هذا النوع في تعليمهم بحسب اختلاف مراتبه، لكي يشبوا على ذلك ويتدرجوا فيه.
[كيف كانت العلوم بالزيتونة وكيف يجب أن تكون؟]
فعلينا أن يكون طلبةُ العلم في المعهد الزيتوني علماءَ بالأصول الإسلامية، والمعاملات الفقهية التشريعية، والآداب الدينية، والأخلاق القويمة، وعلوم آداب اللغة العربية، وما يتحصل بذلك من تاريخ الأمة وتاريخ أحوال وضعيتها بين الأمم المعاصرة لها في سائر عصورها وتاريخ رجالها وسيرهم.
ولم يخلُ هذا المعهدُ في أيٍّ [من] العصور من علوم تكمِّل مداركَ خريجيه تكميلًا يؤهلهم لمسايرة أحوال مجتمعهم. ونحن اليومَ في عصرٍ صار فيه المجتمع الإنساني بمنزلة ما كان مجتمع القطر الخاص، وتغلغلت حاجاتُ الأمم ومصالحها بعضها في بعض، فأصبح تقاربُ الثقافة بينهم ضربةَ لازب، وصار ما كان يعد تكملة موضوعًا الآن في عداد الواجب. فلذلك كله، لم يُغنَ التلميذُ الزيتوني عن أن يضرب مع أمم عصره بسهم صائب، وذلك يلزُّه لا محالة إلى أن يصعد في جو الثقافة الزمنية إلى مرتقى لا يقعد به عن مجاراة أرقى الأمم إحاطة بدلائل الحياة السعيدة، ولم يغن عن الأخذ بالنصيب الكامل مما يتناوله أمثالُه من علوم التبصر، فلا يعدم بصارة بأحوال العالم تبصرَ خريجي المعاهد الراقية. وبرامجُ ذلك توضع على وفق المناسبة للمراتب التي يختار التلميذ الانتهاء إليها على وجه تحصل به التكملة، ولا يضاع مهيع الأصل.