عندنا. (١) ولذلك اختلف العلماء في العطية التي قُصد منها حرمانُ الوارث، وقد فرضها فقهاؤنا في الوصية، والمشهور من المذهب عدمُ الالتفات إلى قصدِ المتبرِّع حرمانَ وارثه.
ليس الوقف حجرًا على الرشداء:
أكبرُ شُبهةٍ عرضت لصاحب اقتراح إبطال الوقف أنه قال:"إن الوقف حجر على المستحقين فيه، وهم أشخاصٌ عقلاء أهل للتصرف"، يقصد بذلك أنه مخالف لقواعد الشريعة حيث تخص الحجر بالسفهاء.
وهذا الكلامُ سفسطة؛ لأن مسمَّى الحجْر هو منعُ شخصٍ من التصرف التام في الأشياء التي يملكها ملكًا تامًّا، بأن يكون تصرفُه دون تصرف غيره مِمَّنْ لا منع عليه - وأسبابُ الحجر مقررة في كتب الفقه والقوانين. أما تحديد التصرف في الأشياء بحسب الالتزامات والشروط المتفق عليها بين المتعاقدين - وهي التحديدات الجعلية - أو بحسب التحديدات الشرعية، فليس بحجر؛ إذ من الواجب الوقوفُ عند الحدود التي تعاقد عليها الناس. وذلك من الوفاء، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١]، وفي الحديث الصحيح: "المسلمون
(١) أي عند المالكية. وصيغة هذه القاعدة: "من استعجل الشيء قبل أوانه فإنه يعاقب بحرمانه". وهي متفرعة عن قاعدة الذرائع، وبناءً عليها حكموا بمعاملة من يحتال على تحليل الحرام أو تحريم الحلال بنقيض مقصوده، وأقروا الأخذَ بالتهمة إذا توافرت القرائن الدالة على سوء مقصد المكلف، مراعاة لمآلات الأفعال والتصرفات. وعلى ذلك بني - فيما يبدو - فقه المالكية في بيوع الآجال. وهي من القواعد المعمول بها عند سائر المذاهب. انظر في بيان معنى هذه القاعدة وبعض تطبيقاتها: الونشريسي التلمساني، أبو العباس أحمد بن يحيى: عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق ويليه إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، تحقيق أحمد فريد المزيدي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٦/ ٢٠٠٥)، ص ٣٦٥ - ٣٦٦. الزرقا، أحمد: شرح القواعد الفقهية، تصحيح وتقديم مصطفى أحمد الزرقا (دمشق: دار القلم، ط ٢، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ص ٤٧١ - ٤٧٤.