للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: قلت له: أنشدتَنِي قبل اليوم من بائس؟ فقال ذو الرمة: بائس ويابس واحد". (١)

[المبحث الرابع: فوائد المترادف في اللغة]

لا تحسبن بقاء المترادف في اللغة العربية مسبَّبًا عن اختلاط لغات قبائل العرب في عموم اللغة الجامعة لهم حيث لم يستطع فريق أن يجرد اللغة من ألفاظ الفرق الأخرى؛ لأنه لوكان ذلك هو السبب لَما اقتضى إلا أن يكونَ المترادفُ ثابتًا في مجموع اللغة العربية، وأن يكون غيرَ شائع الاستعمال لدى جميع قبائل العرب. فأما ونحن نجده فاشيًا في جميع القبائل، فذلك ينبئنا بأن بقاءه في اللغة كان عن اختيار جميع العرب.

لو شاء العرب أن ينفوا الترادفَ عن لغتهم لكان ذلك يسيرًا عليهم، إذ كانوا يقتصرون على أفصح الألفاظ المترادفة نطقًا وأحسنها سمعًا، فيستعملونها في كلامهم، ويهجرون ما عداها من مرادفاتها بالطريقة المعروفة عند علماء العربية بالإماتة (٢)؛ فإنهم أماتوا كلمات بلا موجب كما أماتوا مفرد إبل وناس وماضي يدع ويذر. فإذا كان ثم موجِبٌ للإماتة، فهم أحرى بإماتة مسببه، كما تناسَوْا من كلامهم الألفاظَ الوحشية والمتنافرةَ الحروف، وتجنبوا ما ينشأ من تنافر الكلمات في التركيب.

[الفائدة الأولى: ] فما أبقَوْا المترادفَ مستعملًا في كلامهم إلا لأنهم قد اختاروا بقاءه على إماتته، ولم يعبؤوا بما يقتضيه من توسع اللغة؛ إذ كان في اعتمادهم على حوافظهم وخطور لغتهم ببالهم ما يدرأ عنهم كُلفةَ تزويد حوافظهم بمفردات اللغة كما يعرض للمولَّدين بعدهم، وللدخلاء في لغتهم، وكان علمهم لمعارف غير ذلك.


(١) ابن جني: الخصائص، ج ٢، ص ٢٢٦ - ٢٢٧. والبيت من قصيدة طويلة (٧٢ بيتًا) بعنوان "جشأت نفسي" من بحر الطويل. ديوان ذي الرمة، ص ٨٨.
(٢) الإماتة، من أمات يميت، هي ترك استعمال الكلمة وهجرُها حتى تُنسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>