للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمَّا تألف هذا الخاطرُ ببالي أخذتُ أراجع ما كنت طالعته مما لدي من كتب أراها مظنةَ الإلمام بشيء من هذا الغرض، مثل كتاب "دلائل النبوة" للبيهقي، وكتاب "شفاء الصدر" لابن سبع السبتي، وكتاب "الشفاء" للقاضي عياض، وكتاب " [أعلام] النبوة" للماوردي، وكتاب "المواهب اللدنية" للعسقلاني، وكلُّها نفائسُ ما ألف في السير والمعجزات، فما وجدتُ فيها مَنْ خصَّ هذه الناحيةَ بالعنوان والترجمة، ورأيتُ انصرافَ هممهم إلى ذكر المعجزات الواضحة العيان، ورأيت أقرَبَها للتعريج على بعض أصناف هذا النوع كتاب "الشفاء" لعياض و "أعلام النبوة" للماوردي.

[ما هي المعجزات وأي شيء هي المعجزة الخفية؟]

المعجزة اسم أُطلق على الحادث الذي يعجز البشرُ عن الإتيان بمثله. وصاغوا له زنة التأنيث لأنهم راعوا في التسمية معنى الحادثة أو الواقعة أو الفعلة. وهي اسم اصطلح عليه علماء الإسلام لم يرد في القرآن ولا حديث الرسول، وإنما الواردُ فيهما لفظ آية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [يونس: ٩٦, ٩٧]، وفي حديث ابن عباس وأنس بن مالك أن قريشًا سألوا رسولَ الله آية فأراهم انشقاق القمر. (١)

وأحسب أن المعجزة تسميةٌ ابتكرها علماء الكلام، وهم حددوها بأنها الأمرُ الخارق للعادة المقترن بالتحدي. (٢) وفسروا التحدي بأنه ادعاءُ الرسالة عن الله، واتفقوا على اشتراط تأخر حدوث المعجزة عن دعوى الرسالة في تحقق ماهية


(١) صحيح البخاري، "كتاب المناقب"، الحديث ٣٦٣٧، ص ٦١٠؛ "كتاب مناقب الأنصار"، الحديث ٣٨٦٨، ص ٦٤٩؛ "كتاب التفسير"، الحديث ٤٨٦٧، ص ٨٦٢؛ صحيح مسلم، "كتاب صفات المنافقين وأحكامهم"، الحديث ٢٨٠٢، ص ١٠٧٩.
(٢) قال التفتازاني: "المعجزة أمرٌ خارق للعادة، مقرون بالتحدي وعدم المعارضة". شرح المقاصد، ج ٣، ص ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>