وبعد، فإن إصلاح التعليم بالجامع مرتبطٌ أشد الارتباط بالعناية بالفروع الزيتونية بالمدن الخمس من المملكة، وقد تبين لي من مشاهدة معظمها ومن المراجعة والدراسة للأوراق المتبادلة بيننا وبين مَنْ لهم النظرُ في سيرها ما فتح عينَ الأمل بأن تصير في مستقبل قريب منابعَ علم تمد البحر الأعظم - بحر جامع الزيتونة - بما يزيد فيضه، ويرفع مقياسه. وأخص بالثناء فرعَ صفاقس الذي أصبح برنامج المرتبة الأخيرة من التعليم فيه تامًّا، وأعَدَّ من تلامذته في هذه السنة زهاءَ الخمسين لاقتحام امتحان شهادة الأهلية.
[العناية بالتعليم الابتدائي]
ووراء هذه العناية بالفروع تتوجهُ العنايةُ إلى التعليم الابتدائي الذي يحضر فيه التلامذةُ لولوج الفروع الزيتونية؛ فإن ذلك عقدةٌ عسيرة، وهي تفاوتُ أحوال التلامذة الذين يزجون بأنفسهم في الوسط التعليمي باعتبار مقادير ما هُيِّئوا له من التعليم الابتدائي؛ إذ يوجد بينهم بونٌ بعيد في مراتب التأهل: فمنهم المحضرون من المدارس القرآنية، ومنهم الوافدون من الدارس الرسمية، ومنهم من زاول التعليم في الكتاتيب أو الزوايا، ومنهم مَنْ لم يسبق له من التعليم إلا حظٌّ زهيد. ثم يُحشر هؤلاء كلُّهم في صعيد [واحد] إلى السنة الأولى من المرتبة الأخيرة الزيتونية، فيصير ذلك التفاوتُ مثارَ مشقة للذين يجرون اختبارَهم، ثم لمدرسيهم ولرفقائهم في الدروس، ثم للجان الاختبار للتنقل في السنوات. وقد دلتنا الشواهدُ أن المدارس القرآنية هي أفضل مهيئ للتعليم الزيتوني وإمداده بالتلامذة الأكفاء، وسنعد لهذه العقدة علاج حلها في مفتتح السنة الدراسية بمعونة الله تعالى.
[دعوة أبوية لشيوخ التدريس]
وأنا حين أعرض هذا البرنامج الذي أراه خيرَ كفيل لتحقيق آمالنا في الإصلاح، يخامرني اليقينُ بأني واجدٌ من أبنائي السادة شيوخ التدريس ما أعرف