للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احترام الأفكار (١)

يقول المبتدئون والمتوسِّطون من الكتَّاب "بنات الأفكار"، إذا أرادوا أن يُملِّحوا العبارة، (٢) ويدلوا على منزلهم في علم الاستعارة، وهم لا يشعرون - عند لفظ هاته الكلمة من أفواههم - إلا بتلك الاستعارة المطروقة المبذولة، (٣) ولا يدركون حدوث ذلك الشيء الذي ذكروه عن ازدواج المقدمات وتمخض الفكر.


(١) السعادة العظمى، المجلد ١، العدد ١٨، ١٦ رمضان ١٣٢٢ هـ (ص ٢٧٣ - ٢٨١).
(٢) قال المصنف عند تفسير قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (٩٧)} [الإسراء: ٩٧]: "وفي قوله: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} إشكال؛ لأن نار جهنم لا تخبو، وقد قال تعالى: {فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} [البقرة: ٨٦]، فعن ابن عباس أن الكفرة وقود للنار، قال تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: ٢٤؛ التحريم: ٦]، فإذا أحرقتهم النار زال اللهب الذي كان متصاعدًا من أجسامهم، فلا يلبثون أن يعادوا كما كانوا فيعود الالتهاب لهم. فالخبو وازدياد الاشتعال بالنسبة إلى أجسادهم لا في أصل نار جهنم، ولهذه النكتة سلط فعلَ زدناهم على ضمير المشركين للدلالة على أن ازدياد السعير كان فيهم، فكأنه قيل: كلما خبت فيهم زدناهم سعيرًا، ولم يقل: زدناها سعيرًا. وعندي أن معنى الآية جارٍ على طريق التهكم، وبادئ الإطماع المسفر عن خيبة؛ لأنه جعل ازدياد السعير مقترنًا بكل زمان من أزمنة الخبو، كما تفيده كلمةُ كلما التي هي بمعنى كل زمان، وهذا في ظاهره إطماع بحصول خبو، لورود لفظ الخبر في الظاهر، ولكنه يؤول إلَى يأس منه، إذ يدل على دوام سعيرها في كل الأزمان، لاقتران ازدياد سعيرها بكل أزمان خبوها. فهذا الكلام من قبيل التمليح، وهو من قبيل قوله تعالى: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: ٤٠]، وقول إياس القاضي للخصم الذي سأله: على مَنْ قضيت؟ فقال: على ابن أخت خالك". تفسير التحرير والتنوير، ج ٧/ ١٥، ص ٢١٧ - ٢١٨.
(٣) المبذولة هنا بمعنى الشائعة أو المبتذلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>