للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرسالة الخامسة]

المرسى في ١٤ رجب ١٣٢٤ [سبتمبر ١٩٠٦]

مقام الأستاذ العلامة، النحرير المستنير، سيدي الشيخ محمد النخلي، واصلَ الله بالمسرة أيامه، وأدام نفعه للأمة المغرورة المستهانة.

وصلني كتابُك الشريف فرد نسمة من نسمات ملاقاتكم المفيدة، وأنسًا مما ألفت من مجالسكم العلمية منذ أزمنة بعيدة. ولا يحسبن الأستاذ سكوتي عن الجواب أو عن المراسلة إلى هذا الحد استخفافًا بشأن مقامه، أو نسيانًا قضاه البعد وتطاول أيامه. ولكن للشواغل - أيدك الله - يدًا فوق يد الأمل لا تخطئ لحظة ولا تدع للمسارقة فرصة، فمعاذ الله أن يتوقع تصرم من ذلك للود. وإنما ينقض انقطاع المراسلة عراه مهما كان عن سآمة وتعمد، أما وهو مع الشوق إليها فلا يزيد إلا ثقة لها. لذلك كثر من شكوى المحبين مع البعد، أفلم يكثر مثله مع القرب؟

شكوتَ إلي - ولا بد من شكوى - مما علمتُه وعلمه الناس. . . وقد أفضت حريةُ جرائدنا إلى الفوضى التي ستكون خطرًا على حرية ما نلناه حتى حق الإياس، وشابت رؤوس أناس. وكذلك شأنُ الأحمق يضيع على نفسه منافعَه، بل كذلك عقبى إيداع السلاح بيد الأطفال أو المجانين، وكذلك تكون الحريةُ العريةُ عن العلم والتربية.

شطت الجرائدُ في سائر مواضيعها، وركبت متون الضلال والتهور، حتى سئمها المبتدئ والنحرير، والسوقة والأمير، والمظلم والمستنير، وأصبحت أقلامها بيد قوم قال في مثلهم الشاعر:

مُطَاعُ المَقَالِ غَيْرُ سَدِيدٍ ... وَسَدِيدُ المَقَالِ غَيْرُ مُطَاعِ (١)


(١) البيت هو ثاني بيتين قالهما أبو فراس وقد أشار بأمر فخولف، وأولهما:
كَيْفَ أَرْجُو الصَّلَاحَ مِنْ أَمْرِ قَوْمٍ ... ضَيَّعُوا الحَزْمَ فِيهِ أيَّ ضَيَاعِ؟
ديوان أبي فراس الحمداني، ص ٢١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>