للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)

[[مقدمة]]

احتفافُ العظيم بمظاهر العظمة في أعين ناظريه وتُبَّاعه وسيلةٌ من وسائل نفوذ تعاليمه في نفوسهم، وتلقيهم إرشادَه بالقبول والتسليم، واندفاعِهم بالعمل بما يمليه عليهم. وإن للعظمة نواحيَ جمةً، ومظاهرَ متفاوتةَ الاتصال بالحق: فمنها العظمةُ الحقة الثابتة، ومنها المقبولة النافعة، ومنها الزائفة التي إنْ نفعت حينًا أضرت أزمانًا، وإن راجت عند طوائف عُدَّتْ عند الأكثرين بطلانًا. وفي هاته الأصناف معتادٌ وغيرُ معتاد، وبينها مراتبُ كثيرة الأعداد، لا يعزب عن الفَطِن استخراجُها من خلال أصنافها، والحكمُ الفصلُ في آدابها وأُلَّافها.

وبمقياس اتسام العظيم بسمات العظمة الحقة، يكون مقياس غُنْيته عن مخايل التعاظم الزائفة، كما أنه بمقدار خُلوِّه من تلك السمات الحقة يقترب من الاحتياج إلى شيء من تلك المخايل، كالْمصاب بفقر الدم لا يستغني عن زيادة التدثر بدثر الدفاء. ولَكَثْر ما تحمَّل العظماءُ مشاقَّ التكلُّفِ لِمَا يثقل عليهم التظاهرُ به، مجاراةً لأوهام التُّبَّاع أولِي المدارك البسيطة؛ حذرًا من أن ينظروا إليهم بعين الغضاضة، أو يلاقوهم بمعاملة الفضاضة. فهم يقتحمون ذلك الثقل، ولسان حالهم يقول: "مُكْرَهٌ أخوك لا بطل". (٢) فلا غروَ أن كان المتوسِّمون منذ القدم تقوم لهم من


(١) الهداية الإسلامية، المجلد ١٠، الجزء ١٠، ربيع الثاني ١٣٥٧/ [يونيو] ١٩٣٨ (ص ٥٧٨ - ٥٩٧).
(٢) أصل هذا المثل قصة تحكى عن بيهس الملقب بنعامة، وكان رجلًا من بني فزارة بن ذبيان بن بغيض، وكان سابع سبعة أخوة، فأغار عليهم ناسٌ من أشجع بينهم وبينهم حرب، وهم في =

<<  <  ج: ص:  >  >>