الحكمة العاشرة: أن الله جلَا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن عنايته بأمته دائمة مستمرة، وأن الله معهم في شدائد أمورهم، وأنه يتولاهم بلطفه وتوفيقه، فهو يرُبهم ويكفيهم، ويريهم درجات عنايته من درجة إلى أرقَى منها؛ لأنهم نصروا دينه، فذلك عهد بأنه لا يزال ناصرهم ما أقاموا الدين، كان مؤكدًا بمظهره ما تضمنه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (٧)} [محمد: ٧]، وفيه تلك المشاهدة التي أخبر عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه"، قرة عين من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتحقيق لسابق بشارته ووعده في قوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)} [الضحى: ٥].
الحكمة الحادية عشر: أن جمعًا من الصحابة منهم عبد الله بن عباس رأوا أنهم رزئوا رزيئة عظيمة بعدول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك الكتاب، وتوقعوا أن سبب ذلك هو التنازع، كما ورد في حديث عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج لهم فقال:"خرجت لأعلمكم بليلة القدر، فتلاحى رجلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم". فدل على أن التنازع يفيت مصالح، وإن كان الله تعالى قد عوضهم عن فواتها مصالح أخرى أشار إليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه"، فتلك مِنَّةٌ من الله ونعمةٌ بعد حصول الموعظة.