للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقوى وحسن الخلق (١)

عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْت، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَن". (٢)

هذا الحديثُ الشريف من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -، فقد اشتمل على نهاية الإيجاز وما يقرب من حدِّ الإعجاز. فإنه مع قلة ألفاظه وعذوبة نظمه، جمع - صلى الله عليه وسلم - فيه ما يلزم الإنسانَ في دار التكليف من أداء حقوق الخالق ومعاملة المخلوق، وذلك مدارُ كلية التكليف كما لا يخفى.

والخطاب وإن كان لجزئية استعماله يقتضي قَصْرَ الحكم على المواجَه به، لكنه يعمُّ كلَّ مكلَّف صالح للخطاب عمومًا حقيقيًّا، على ما هو طريقةُ الحنابلة المنسوبة إليهم في المستصفى؛ (٣) إذ كلُّ مكلَّف موجَّهٌ له الخطابُ القرآني الذي هو عنوانُ الحكم التكليفي. والمبلِّغُ الأول الرسولُ صلواتُ الله عليه، ثم المتأهِّلُ لذلك من


(١) المجلة الزيتونية، المجلد ٣، الجزء ٥، ربيع الأول ١٣٥٨/ مايو ١٩٣٩ (ص ٢٢٤ - ٢٣١). وقد وردت في الحاشية العبارة الآتية بقلم محرر المجلة: "درس الحديث الذي ختم به فضيلة الشيخ في مسجد مدرسة حوانيت عاشور في رمضان".
(٢) سنن الترمذي، "كتاب البر والصلة"، الحديث ١٩٨٧، ص ٤٨٣. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
(٣) لم أجد ما ذكره المصنف في مستصفى الغزالي، ويبدو أنه سهو أو زلة قلم إن لم ينقله من بعض مصنفات حجة الإسلام الأخرى كالإحياء. وانظر مناقشة مستفيضة للمسألة في: ابن عقيل: أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد: الواضح في أصول الفقه، تحقيق جورج المقدسي (بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢، إصدار جمعية المستشرقين الألمانية)، ج ٤ (القسم الأول)، ص ٢١٥ - ٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>