للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون في بيته "في مِهْنَةِ أهله". (١)

وفي حديث علي - رضي الله عنه - من رواية الترمذي ورواية عياض: "كان دخوله لنفسه، مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزَّأ دخولَه ثلاثةَ أجزاء: جزءًا لله، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئًا"، (٢) أي كان له في بيته وقتٌ يجلس إليه فيه خاصةُ أصحابه ومَنْ له حاجة خاصة. ومعنى "يرد ذلك على العامة"، أنه تحصل منه منفعةٌ للعامة بما يرويه الخاصةُ من علمه للناس. وفي هذا دليلٌ على أن معظمَ ما عدا وقت دخوله إلى منزله كان وقتَ مجلسه، إلا إذا عرضت حاجةٌ يذهب إليها.

[آداب مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]

كيف لا يكون مجلسٌ يحتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميدانَ تسابق الآداب إلى غاياتها، وجوًّا ترفرف فيه الكمالاتُ راقبةً إلى سماواتها؟ ! فإن صاحبَه هو الذي أدبه ربه بأحسن تأديب، وجلساءه هم أولئك الغُرُّ المناجيب، وناهيك بأن ورد بعض آدابه في الكتاب المجيد، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا} [المجادلة: ١١].

قال الواحدي وابن عطية عن مقاتل وقتادة وزيد بن أسلم: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس في المسجد، فجلس يومًا وكان في المجلس ضيق؛ إذ كان الناس يتنافسون في القرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي سماع كلامه، والنظر إليه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكرم


(١) عن الأسود قال: "سألت عائشة: ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مِهْنَة أهله - تعني خدمة أهله - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة". صحيح البخاري، "كتاب الأذان"، الحديث ٦٧٦، ص ١١٠؛ "كتاب النفقات"، الحديث ٥٣٦٣, ٩٥٨؛ "كتاب الأدب"، الحديث ٦٠٣٩، ص ١٠٥٥. وانظر في المعنى نفسه: الترمذي: الشمائل المحمدية، ص ١٤٧.
(٢) الترمذي: الشمائل المحمدية، الحديث ٣٢١، ص ١٢٢؛ البيهقي: دلائل النبوة، ج ١، ص ٢٨٨؛ اليحصبي: الشفا، ص ٩٣ (واللفظ للقاضي عياض).

<<  <  ج: ص:  >  >>