للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رسالتان إلى الشيخ محمد الخضر حسين]

الرسالة الأولى (١)

إلى العلامة النحرير صديقي السيد منشئ مجلة "السعادة العظمى"، أيده الله تعالى، سلامٌ وتحية وإجلال كما يليق بذي قلم سعى بصريره في تقويم الأمة وتأييد شرعة الحق، وأطلع لأهل لغتنا العربية شمسًا طالما حجبها دونهم سحابٌ مركوم، وأعقب نهارها ليلٌ عطل سماءه أفول البدر وإدبار النجوم، أما بعد

ما سكنت هواجسي، ولا اختلف إدراكي بأن كنهَ حياة الأمم ونفثة روح استفاقتها من سِنَة الجهالة وفساد الأخلاق ليس غيرَ بث الفضيلة وإيقاظ العيون (٢) إلى الواجبات والحاجات الأولية، بعد حيرتها في ظلمات الشبهات التي غشيت أبصارَها، وخيلت لها جميعَ ما يحيط بمركزها مهاويَ تتوقع السقوطَ فيها إلى قعرها. فلا ريبة أنها أشرقت عليها أنوارُ التيقن، وأضاءت لها الأرجاء، فتقدمت نحو غايتها بخطًى واسعة، فما وصولها إليها بعدُ بعزيز.

أما إن ذهبتُ أفكر كيف يكون إيصالُ هذا المعنى إلى أمة كاملة، وأي لسان يُسمعها إن ناداها وهي تملأ من الكون فضاءً رحبًا، وتختلف في الشراب الخلاف


(١) ابن عاشور، محمد الفاضل: الحركة الأدبية والفكرية في تونس في القرنين ١٣ - ١٤ هـ/ ١٩ - ٢٠ م، نشرة بعناية محمد المختار العبيدي (قرطاج: المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون - بيت الحكمة، ٢٠٠٩)، ص ٣١٦ - ٣١٨. بعث ابن عاشور بهذه الرسالة إلى صديقه الشيخ محمد الخضر حسين بمناسبة إصداره مجلة "السعادة العظمى" في شهر محرم سنة ١٣٢٢/ أبريل ١٩٠٤، وقد صدر منها واحد وعشرون عددًا كان آخرها في ذي القعدة ١٣٢٢/ يناير ١٩٠٥.
(٢) لعل الأوفق أن يقال "العقول" بدل العيون.

<<  <  ج: ص:  >  >>