وقد يُتساءل عن سببِ إغفال السابقين ذكرَ هذا الكتاب، وسبب نضوبِ ترجمة ابن بسام مع شهرة كتابه الذخيرة. ولعل سببَ ذلك هو أن ابنَ بسام قضى حياته في بلده شنترين، فلم يشتهر اسمُه إلا بظهور كتابه "الذخيرة"، ولم يلاق العلماءَ والرحالين، فلم يروِ عنه الراوون شيئا.
وقد يُشعِر بهذا السببِ ما قاله ابنُ سعيد في كتاب "المغرب في حُلَى المغرب" نقلًا عن كتاب "نجوم السماء في حُلَى العلماء" إذ قال: "الأديب أبو الحسن علي بن بسام التغلبي الشنتريني، العجبُ أنه لم يكن في حساب الآداب الأندلسية أنه سيُبعث من شنترين قاصيةِ الغرب (غرب الأندلس) ومحلِّ الطعن والضرب (الجهاد) مَنْ ينظمها قلائدَ في جيد الدهر، ويطلعها ضرائرَ للأنجم الزهر. ولم ينشأ بحضرة قرطبة ولا بحضرة إشبيلية ولا غيرهما من الحواضر العظام مَنْ يمتعضُ امتعاضَه لأعلام عصره ويجهَد في جميع حسنات نَظْمه ونَثْره. وسَلِ الذخيرة، فإنها تُعَنْوِنُ عن محاسنه الغزيرة". (١)
فقوله:"قاضية الغرب" إشارة إلى أنها ثغر مهدَّدٌ بغزوات الأعداء الجلالقة. فهذا سببُ إحجام الناس عن طلب العلم فيها. فإغفالُ الباحثين عن أبي الطيب المتنبي - مثل العكبري والبديعي - ذكرَ هذا الكتاب لأن كثرةَ التصانيف في ذلك الغرض في المشرق أذهلت الأدباءَ عن تطلب مثله في المغرب، حتى إن النسخة التي بقيت من هذا الكتاب هي منسوخةٌ بالمشرق بخط مشرقي (سنة ٦١٥ هـ).
وظَنِّي أن العُكبريَّ اطلع على هذا الكتاب، فإنه اتبع طريقتَه في الجمع بين الشرح وبيان المأخذ حيث يكون معنى البيت مأخوذًا من شعر سابق. ويكثر أن يوافقَ العكبريُّ ما في كتاب ابن بسام في عزو الشعر المأخوذ منه إلى غير معين. مثل