للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورِمْدَد وهما مكسوران، فزعم محمد بن حبيب أنه رواهما بالفتح، وكابر أيضًا على فتح الراء من دَرَم في قصيدته التي أولها: "أفيضَا دَمًا إنّ الرَّزايا لها قِيَم" وإنما هو دَرِم (١).

[مكانة شعر بشار من حفظ فصيح اللغة ومستعملها]

إن لديوان الشعر والنثر الصحيح مكانةً عظيمةً في تمييز مستعْمَلِ الكلام من مهجوره، وجَدْوَى على الذين يتطلبون أن ينطقوا الكلام فصيحًا، وأن يتعلموا من اللغة ما الاحتياجُ إليه أشدُّ، ومعرفته أنفع وأوفر. فإن كتب اللغة المعبّر عنها بالقواميس أثبتت جميعَ ما سُمع عن العرب دُوْنَ تمييزٍ بين ما هو مشهور فيهم وبين ما هو نادر الاستعمال. ومتطلِّب معرفة اللغة قد يضيع عليه زمان طويل من أنفس العمر في حفظ اللغة، فإذا جاءه الاحتياج إلى استعمال ما وعته حافظته وجد نفسه قد حملتْ كثيرًا من اللغة هي في غنية عن استعماله من نادر ومرادف ومجاز يحسبه حقيقة، فكانت نفوس المتطلبين للغة مستشرفةً لو تجد ما يُبقي عليها زمانها ويُنَفِّسُ عنها من جَهْدها وجُهْدها ويُدْني إليها جَنَى اللغة ناضجًا بيّنًا على الوصف الذي نوّه به أبو عُبادة البُحتري في قوله:

حُزْنَ مُسْتَعْمَلَ الكلام اختيارًا ... وتجنَّبْنَ كُلْفَةَ التعقيدِ (٢)

من أجل ذلك حاول بعض أئمةُ اللغة تمييزَ المستعمل من غيره، فألف أبو العباس أحمد بن يحيى المعروفُ بثعلب كتابَ "الفصيح"، إلا أنه كان كتابًا صغيرًا مختصرًا، وألف أبو القاسم الزمخشري كتاب "الأساس"، عُني فيه بتمييز الحقيقة من المجاز. وجاء علماء المعاني وأهلُ صناعة الإنشاء ونقد الشعر يُحَدِّدون ضوابطَ


(١) سبق توثيقه.
(٢) البيت هو التاسع والثلاثون من قصيدة قالها في مدح محمد بن عبد الملك الزيات، وفي الديوان "ظُلمة" بدل "كُلفة". ديوان البحتري، ج ١، ص ٦٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>