للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحكم والمتشابه (١)

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧]. الإحكام في الأصل المنع والدفع. قال جرير:

أبَنِي حَنِيفَةَ أحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ... إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا (٢)

ومادةُ حكم تفيد ذلك. ومنه حكم الحاكم؛ لأنه منع الظالم، وحَكَمة اللِّجام - بالتحريك - ما أحاط بحنك الفرس من لجامه. واستُعمل الإحكامُ في الإتقان والتوثيق؛ لأن ذلك يمنع تطرقَ ما يضاد المقصود، ولذا سميت الحكمةُ حكمةً حقيقة أو مجازًا مشهورًا. وأما المتشابه فأصلُه التماثل، وهو أن يكون شيء مشابِهًا لآخر يشابهه هو؛ لأن مشابهة كل منهما الآخر توجب قوة الشبه حتى تتعذر التفرقة، قال تعالى: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠)} [البقرة: ٧٠].


(١) الهداية الإسلامية، المجلد ٢، الجزء ١٢، جمادى الأولى ١٣٤٩ هـ (ص ٦٢٧ - ٦٣٨). قدم محررُ المجلة لهذا المقال بقوله: "درسٌ من دروس التفسير التي يلقيها في جامع الزيتونة حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المحقق السيد محمد الطاهر ابن عاشور كبير أهل الشورى (المحكمة الشرعية المالكية) في تونس، وهو درسٌ بلغ من غزارة العلم والتحقيق غايتهما". وقد نشر بشيء من الاختصار في تفسير التحرير والتنوير، ج ٣/ ٣، ص ١٥٣ - ١٦١.
(٢) ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب، تحقيق نعمان محمد أمين طه (القاهرة: دار المعارف، ط ٣، ١٩٨٦)، ج ٢، ص ٦٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>