للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خطته]

خصَّ الله تعالى الفقهَ في الدين من بين العلوم كلها؛ لأنه يومئذ واليوم أكبرُ شيء تحتاج له الأمة، إذ لا يكون لها أن تعرف كنهَ شرعها الذي هو مستودع آدابها، وتعليماتها القانونية، والأخلاقية وملاك تقدمها إلا به. وذلك ينبغي أن يكون الفرضَ الأول من تعليم المسلمين في أي زمان وأي مدرسة، وبدونه لا يستقيم لهم أمرٌ كما لم يستقم.

ثم لَمَّا آل أمرُ العلم إلى قضاء الحاجة منه، وكان تعليم الأمة في كل زمان على مقدار حاجتها، وربما تزيد على علم الدين، فمن المتعَيِّنِ عليها أو على مَنْ يدبر أمر تعليمها من سادتها وكبرائها الحكماء أن تضم إليه ما تحتاجه، سواء في ذلك مبادئ الدين وهي علوم العربية: اللغة والنحو والبيان التي لا يمكن لغير العربي بالسجية أن يصل إلى معنى الفقه في الدين بدونها، أم غيرها من العلوم التي يتوقف عليها كمالُها.

فالحاجةُ هي مقدر العلوم، وهي شيء واحد ينطبق على كل زمان؛ عنيت بالحاجة أن يتوقف تقدمُ الأمة، ويتقلص ظلُّها، ولا يمكنها مزاحمةُ غيرها من الأمم في خوض لجة الحياة بدون ما احتاجت إليه. فذلك العلمُ الذي يُطلب منها في مرتبة فرض الكفاية، وهذا في كل زمان يتحول مع المحافظة على الأصل الذي نص الله


= بليغًا مفوهًا، له اليوم المشهور الذي ملأ فيه الآذان، وبهر العقول، وذلك أن المستنصر بالله كان مشغوفًا بأبي علي القالي، يؤهله لكل مهم، فلما ورد رسول الروم أمره أن يقوم خطيبًا على العادة الجارية، فلما شاهد أبو علي الجمع العظيم جبن فلم تحمله رجلاه، ولا ساعده لسانه، وفطن له منذر بن سعيد، فوثب في الحال، وقام مقامه وارتجل خطبة بديعة، فأبهت الخلق، وأنشد في آخرها لنفسه:
هَذَا المَقَامُ الَّذِي مَا عَابَهُ فَنَدٌ ... لَكِنَّ صَاحِبَهُ أَزْرَى بِهِ الْبَلَدُ
لَوْ كُنْتُ فِيهِمْ غَرِيبًا كُنْتُ مُطَّرَفًا ... لَكِنَّنِي مِنْهُمُ فَاغْتَالَنِي النَّكَدُ
لَوْلَا الْخِلَافَةُ أَبْقَى اللهُ بَهْجَتَهَا ... مَا كُنْتُ أبْقَى بأَرْضٍ مَا بِهَا أَحَدُ
المقري التلمساني، أحمد بن محمد: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس (بيروت: دار صادر، ١٤٠٨/ ١٩٨٨)، ج ١، ص ٣٦٤ - ٤٦٥ و ٣٦٨ - ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>