للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاحتمال الثاني أن يكون "رهبانية" معطوفًا على رأفة ورحمة، وتُجعل جملةُ "ابتدعوها" صفةً لرهبانية. وهذا وإن ذكره بعضُ المفسرين، فقد انتقده محققوهم بأنه يقتضي أن الله جعل الرهبانيةَ في قلوب الذين اتبعوا عيسى - عليه السلام -، كما جعل فيها الرأفةَ والرحمة، مع أن الرهبانية من الأعمال الجسدية فعلًا وتركًا فلا تكون في القلب، إلا إذا تُؤُوِّل ذلك بتقديرٍ يدل على معنى يصلح أن يكون من عقائد القلب، أي: جعلنا محبة رهبانية في قلوب الذين اتبعوه.

[معنى الرهبانية]

الرهبانية بفتح الراء على الأشهر، ويجوز ضمُّ الراء. قال في النهاية: "هي من رهبنة النصارى، [وأصلها من الرهبة: الخوف]، كانوا يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا، وترك ملاذِّها، والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمُّد مشاقِّها، [حتى إن منهم مَنْ كان يخصي نفسه، ويضع السلسلة في عنقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب]، فنفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، ونهى المسلمين عنها". (١)

وفي الفائق: "والرهبانية فعل الرهبان: من مواصلة الصوم، ولبس المسُوح، (٢) وترك أكل اللحم، وغير ذلك. وأصلها من الرهبة أي الخوف؛ لأنهم يفعلون ذلك خوفًا من الله أن يقعوا في فعل المحرمات أو تلهيهم أمور الدنيا عن العبادة". (٣)

وإن اقتران لفظ الرهبانية بهاء التأنيث مُؤْذِنٌ بأنها صفةٌ أو حالة، وإن مجيئها بصيغة النسب دليلٌ على أنها نُسبت إلى لفظ راهب على غير قياس، بحذف الألف


(١) ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، ج ٢، ص ٢٥٥.
(٢) المسوح بضم الميم، جمع مِسْح (بكسر الميم وسكون السين)، وهو ثوب غليظ من صوف يلبسه أهلُ الزهد من النصارى. - المصنف.
(٣) الزمخشري: الفائق في غريب الحديث، ج ٢، ص ١٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>