للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الانتقاد من جهة لفظ البيت، فهو أنه قدم المفضَّلَ عليه على اسم التفضيل، وذلك لا يقع في كلام العرب إلا إذا كان المفضَّلُ عليه مستفهمًا عنه: نحو من أيهم أنت أكرم؟

وقد يوجّه البيت بتوجيه يدفع عنه كلا الانتقادين، وهو أن نجعل قولَه "ألست من الولدان" جملة مستقلة، ويكون الاستفهام إنكاريًّا داخلًا على نفي، وتكون "من" تبعيضية غير تفضيلية، أي: ما أنت إلا من الولدان. ونجعل قوله: "أحلى شمائلًا" جملة مستأنَفة مسوقةً مساقَ تغليط نفس القائل على سبيل الترقي، فكأنه يقول: بل أنت أحلى من الولدان شمائل. فتكون هذه الجملة في موقع بدل الغلط من الجملة التي قبلها التي اقتضت كونَه من الولدان بدون تفرق عليهم، فيندفع الانتقادان المعنوي واللفظي، ويكون التخيل في البيت من جهتين: جهة التغليط في التسوية، وجهة التعجب من سكنى القلب الذي هو الجحيم نفسه.

[القرطاس الثالث]

قال أبو الطيب المتنبي من القصيدة البائية في مدح كافور الإخشيدي:

أَزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللَّيْلِ يَشْفَعُ لِي ... وَأَنْثَنِي وَبَيَاضُ الصُّبْحِ يُغْرِي بِي (١)

فعُدّ هذا البيت أميرَ شعر المتنبي، لما احتوى عليه من المعنى الرشيق المبتكر، ولحسن المقابلة بين جميع معاني ألفاظ المصراع الأول ومعاني ألفاظ المصراع الثاني، وهو ما يسمى في البديع بالمطابقة. فجمع في هذا البيت خمس مطابقات، وهو أعجب ما جمع من المطابقة: فالزيارة يقابلها الانثناء، والسواد يقابله البياض، والليل يقابله الصبح، والشفاعة يقابلها الإغراء، ومعنى اللام يقابله معنى الباء.


(١) البرقوقي: شرح ديوان المتنبي، ج ١، ص ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>