للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيجاز والإطناب والمساواة]

الأصل في الكلام أن يكون تأدية للمعاني بألفاظ على مقدارها، أي: بأن يكون لكل معنى قصده المتكلم لفظ يدل عليه ظاهر أو مقدر (١). وتسمى دلالةُ الكلام بهاته الكيفية مساواة؛ لأن الألفاظ كانت مساويةً للمدلولات. فإذا نقصت الألفاظُ عن عدد المعاني مع إيفائها بجميع تلك المعاني، فذلك الإيجاز، مثل الحذف لما شأنه أن يُذكر في كلامهم إذا قامت القرينة، ومثل توخي لفظٍ يدل على مجموع معان إذا كان الغالب في الكلام الدلالة على تلك المعاني بعدة ألفاظ. فقول بشار:

مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ لَمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ ... وَفَازَ بِالطَّيِّبَاتِ الفَاتِكُ اللهجُ

مساواةٌ، وقول سَلْم (٢):

مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ مَاتَ غمًّا ... وَفَازَ بِاللَّذَّةِ الجَسُورُ (٣)


= في خلال ذلك من مُهِمِّ كلام القوم ما يُمَكِّن بأيدي الطلبة مفاتيحَ معاقدها، وضربت صفحًا عما عدا ذلك، تاركًا إياه إلى أن تتهيأ الأفهام بعد هذه المرتبة. - المصنف. انظر في تلك التفاصيل: الجرجاني: كتاب دلائل الإعجاز، ص ٢٢٢ - ٢٤٨؛ السكاكي: مفتاح العلوم، ص ٣٥٧ - ٣٨٧ (نشرة هنداوي)؛ القزويني: الإيضاح، ص ١١٨ - ١٣٨؛ الجرجاني: الإشارات والتنبيهات، ص ١٠١ - ١١٦.
(١) لأن ما كان أسلوب كلامهم على تقديره، كالضمير المستتر في فعل الأمر، وكحذف المستثنى منه في الاستثناء المفرغ يُعتبر كالمذكور فلا يُعَدُّ حذفَه إيجازٌ. - المصنف.
(٢) هو سلم بن عمرو البصري، مولى بني تميم بن مُرة، ثم مولى آل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. كان شاعرًا مطبوعًا، ذا قدرة كبيرة على الإنشاء على حرف واحد. كان من تلاميذ بشار بن برد وأحد رواته. قيل: لقب بالخاسر؛ لأن أباه لما مات ترك له مصحفًا فباعه واشترى بثمنه دفاتر شعر، وقيل: اشترى طنبورًا، وقيل: عودًا، وقيل: لأنه أنفق مائتي ألف في صناعة الأدب. . مدح خلفاء بني العباس: المنصور والمهدي والهادي، واختص بالرشيد والبرامكة. ذكر الصفدي أن سلمًا كان مسلَّطًا على بشار، يأخذ معانيه الجيدة فيسكبها في قالب أحسن من قالبها، فيشتهر قولُ سلم ويخمل قول بشار، ولهما في ذلك حكايات، منها ما سنذكره في الحاشية بعد هذه. توُفِّيَ في حدود الثمانين ومائة. الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك: كتاب الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى (بيروت: دار إحياء التراث العربي ط ١، ١٤٢٠/ ٢٠٠٠)، ج ١٥، ص ١٨٨ - ١٨٩.
(٣) مما قيل إن سلمًا غلب فيه بشارًا قولُه: =

<<  <  ج: ص:  >  >>