للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيجاز؛ وإذا زادت الألفاظ على عدد المعاني مع عدم زيارة المعاني، فذلك الإطناب مثل التوكيد اللفظي والتكرير، وذكر الخاص بعد العام والتفسير نحو: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠)} [المعارج: ١٩, ٢٠] إلخ. ومثل قوله:

الألمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِكَ الظَّنْـ ... ـنَ كأَنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا (١)

ومبنى كلام العرب على الإيجاز ما وجدوا إليه سبيلًا؛ لأن الأمة العربية أمةٌ ذكية، فابتنى كلامُها على مراعاة سبق أفهامها (٢). فقول المبرد في كامله: "من كلام


= مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ مَاتَ غمًّا ... وَفَازَ بِاللَّذَّةِ الجَسُورُ
حيث أخذ معناه من قول بشار:
مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ لَمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ ... وَفَازَ بِالطَّيِّبَاتِ الفَاتِكُ اللهجُ
وقد قيل: إن بشارًا غضب على سلم الخاسر بسبب ذلك، "فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه، فجاؤوه في أمره. فقال لهم: كل حاجة لكم مقضيةٌ إلا سلْمًا، قالوا: ما جئناك إلا في سلم، ولا بد من أن ترضى عنه لنا، فقال: أين هو الخبيث؟ قالوا: ها هو ذا؛ فقام إليه سلمٌ فقبل رأسه، ومثل بين يديه وقال: يا أبا معاذ، خِرِّيجُك وأديبك"، فسأله بشار عن قائل البيت الأول فأجابه بقوله: "أنت يا أبا معاذ، جعلني الله فداك! "، ثم سأله عن قائل البيت الثاني، فقال: "جِريجك يقول ذلك (يعني نفسه)، قال [بشار]: أفتأخذ معانِيَّ التي قد عُنيتُ بها وتعبت في استنباطها، فتكسوها ألفاظًا أخفَّ من ألفاظي حتى يُروى ما تقول ويذهب شعري! لا أرضى عنك أبدًا"، "فما زال [سَلْمٌ] يستضرع إليه، ويشفع له القومُ حتى رضي عنه". الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٩٩ - ٢٠٠ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٨٥ (نشرة الحسين). وانظر كذلك الأصفهاني: محاضرات الأدباء، ج ٢، ص ١٠٨ - ١٠٩.
(١) الدينوري: عيون الأخبار، ج ١، ص ٤٣. والبيت لأوس بن حجَر هو الثالث في قصيدة تشتمل على ثلاثة عشر بيتًا من بحر المنسرح، لأوس بن حجَر التميمي، قالها يرثي فضالة بن كلدة الأسدي. البغدادي: منتهى الطلب من أشعار العرب، ص ١٣٠؛ ديوان أوس بن حجر، تحقيق محمد يوسف نجم (بيروت: دار صادر، ط ٣، ١٣٩٩/ ١٩٧٩)، ص ٥٣ - ٥٥.
(٢) أي إلا إذا منع منه مانع المقام، كمقام خطاب الغبي ومقام التهويل فكلاهما مقام إطناب. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>