انتهى بِيَ استقراءُ أصناف المعجزات الخفية إلى ستة أصناف:
الصنف الأول: أحوال الرسول الدال مجموعها على أن الله تعالى قد هيأه من حين إنشائه لتلقي مقام الرسالة العظمى. وهذا الصنف يشبه الإرهاصات، قال تعالى:{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤]، وقال: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: ٣١، ٣٢].
فأنبأنا أنه قد أعد لتلقي الرسالة (وهي حالةٌ بشرية عظيمة غير معتادة) نفوسًا ليست مماثلة للنفوس المعتادة، وليست عظمتُها من قبيل العظمة المعهودة عند الأقوام. فلذلك سفَّه الله الذين راموا أن ينالوا مثلَ ما نال رسلُ الله بأنهم ليسوا بذلك المقام، وسفه الذين استصغروا مَنْ أنزل عليه القرآن، وتوهموا أن رجلًا من القريتين أجدرُ منه بذالك لعظمته، فلم يعلموا العظمة الحقة.
ولا جرم أن نفس أعظم الرسل هي أعظم نفس تنفس بها الوجود في هذا العالم، وأن الرسل السابقين قد درجوا في عصور كانت مظلمة التاريخ بين أممهم، إما لبعد العهد كإبراهيم وموسى عليهما السلام، وإما لبلوغ الأمة دركة من للانحطاط استمرت فيه بعد ظهور الرسول مثل اليهود عند مجيء عيسى - عليه السلام -، فلم تهتد أقوامهم إلى تفصيل صفاتهم خَلقًا وخُلقًا، ولكننا تلقينا إشاراتٍ في شأنهم من القرآن كقوله تعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}[النحل: ١٢٠]، أي جامعًا لصفاتِ الخير التي تفترق في أمة كاملة - على أحد التفسيرين (١) - وقوله لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه: ٤١]. وأحسب أن الله تعالى قد جعل صفاتِ رسوله الْخِلقية والْخُلُقية
(١) وقيل المراد إنه كان مؤمنًا وحده بين قومه فهو كأمة، وقيل غير ذلك. - المصنف.