للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفتاحًا لباب قبول دعوته بين قومه إن هم اهتدو إليها، ومغلاقًا لأبواب الطعن عليه أو الإزراء به.

وإن خِصالَ الكمال البشرية تنحصر في نوعين: جِبِلي وكسبي. فأما الجبلي، فهو ما يُخلق المرءُ عليه من الصفات المحمودة في أصل الْخِلقة، إما لأنها توصل إلى كمال نفساني، مثل سلامة الحواس وفصاحة اللسان وجودة القريحة وتوقد الفظنة، وإما لأنها توصل إلى تمام الكمال والثقة بالنفس، مثل قوة البدن ورباطة الجأش وشرف النسب، وإما لأنها وسيلةٌ إلى تأثر الناس بدعوته، مثل جمال الصورة وهيبة الطلعة وعزة القبيلة.

وأما الكسبِيُّ فهو ما تتهيأ له النفسُ أو ترتاض عليه من التخلق بالفضائل التي أُعدت لصاحبها في أصل خِلقته ويُسِّر له نماؤها، وذلك جميعُ الفضائل البشرية، وقد ثبت منتهى الكمالين لمحمد - صلى الله عليه وسلم -. فأما الجبلي فقد تظافرت عليه الرواياتُ الواردة في شمائله الزكية، وأما الكسبي فقد كان طريقُ اكتسابه له من طريق التكوين الإلهي بإنماء الغرائز المودَعة فيه إنماءً صيَّرها أخلاقًا، وبالإلهام والحفظ والعصمة، قال تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨]، وروى عن رسول الله: "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، (١) وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)} [القلم: ٤]، وقالت عائشة: "كان خلقه القرآن". (٢)

هيأ الله لرسوله الكمالاتِ من جميع الجوانب، ليعتبر بذلك أهلُ الاعتبار ممن أوتوا العلمَ والكتاب، وقد اعتبر كثير منهم بها. روى الترمذي أن عبد الله بن سلام


(١) هذا الحديث وإن كان ضعيفَ السند غير أني قصدتُ من الاستدلال به تأييدَ ما قلته من كون التربية النفسية في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت بإلهام وتوفيق كما هو الواقع، وكما اقتضاه قوله تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨]، فكان معنى الحديث صحيحًا. - المصنف. انظر أقوال العلماء بشأنه في: السخاوي: المقاصد الحسنة، الحديث ٤٥، ص ٤٩؛ العجلوني: كشف الخفاء، الحديث ١٦٤، ج ١، ص ٧٠ - ٧١.
(٢) سبق تخريجه في مقال "التقوى وحسن الخلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>