للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السقيفة إذ قال: "إن العرب لا تدين لغير هذا الحي من قريش". (١) قال إمام الحرمين في الإرشاد: "ومن شرائطها (أي الخلافة) عند أصحابنا أن يكون الإمام من قريش [إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأئمة من قريش وقال: "قدموا قريشًا ولا تقدموها".] وهذا مما يخالف فيه بعضُ الناس، وللاحتمال فيه مجال". (٢)

[المقام الثاني: أثر الدعوة المحمدية في الحرية والمساواة بين الأمم غير أتباع الإسلام]

أهابت دعوةُ الإسلام بالأمم، وقد كانوا غافلين مستسلمين، ففتحت أعينهم إلى ما في معاملة سادتهم وكبرائهم إياهم من الاعتداء والغضّ، فأخذ أولئك يقتربون إلى تقويم أود جبابرتهم والطموح إلى إصلاح أحوالهم، وأخذ هؤلاء ينزلون عن صياصي الجبروت ويخفضون من غلوائهم، فحدثت بذلك يقظةٌ فكرية في العالم.


(١) ابن هشام: السيرة النبوية، ج ٢/ ٤، ص ٢٣٠. ولفظ كلام أبي بكر: "ولن تعرف العربُ هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش".
(٢) الجويني: كتاب الإرشاد، ص ٣٥٩. وقال في الغياثي بعد أن ذكر قول الفقهاء باشتراط القرشية: "ولسنا نعقل احتياج الإمامة في وضعها إلى النسب". غياث الأمم في التياث الظلم، نشرة بعناية خليل المنصور (دار الكتب العلمية، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ص ٤٤. وقد استوفى ابن خلدون البحث في تعليل شرط النسب القرشي في منصب الخليفة وذلك في إطاره نظريته في العصبية وفق نظرة مقاصدية، حيث قال: "ولنتكلم الآن في حكمة اشتراط النسب ليتحقق به الصوابُ في هذه المذاهب (أي الآراء المختلفة في اشتراط النسب القرشي)، فنقول: إن الأحكام الشرعية لا بد لها من مقاصد وحكمٍ تشتمل عليها، وتُشرع لأجلها. ونحن إذا بحثنا عن الحكمة في اشتراط النسب القرشي ومقصد الشارع منه، لم يُقتَصَرْ فيه على التبرك بوُصلة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو في المشهور، وإن كانت تلك الوُصلة موجودة والتبرك بها حاصلًا. لكن التبركَ ليس من المقاصد الشرعية كما علمت، فلا بد إذن من المصلحة في اشتراط النسب، وهي المقصودة من مشروعيتها. وإذا سبرنا وقسمنا لم نجدها غلا اعتبارَ العصبية التي تكون بها الحماية والمطالبة، ويرتفع الخلافُ والفرقة بوجودها لصاحب المنصب، فتسكن إليه الملة وأهلها، وينتظم حبلُ الألفة فيها". مقدمة ابن خلدون، ص ١٨١ - ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>