للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم جاء الشيخ عبد القاهر الجرجاني الأشعري الشافعي (المتوفَّى سنة ٤٧١ هـ)، فألف كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة، أولهما في علم المعاني والثاني في علم البيان. فكانا أولَ كتابين ميزا هذا العلمَ عن غيره، ولكنهما كانا غير ملخصين ولا تامَّيْ الترتيب، فهما مثل در متناثر كنزه صاحبه لينظم منه عقدًا عند تآخيه. فانبرى سراجُ الدين يوسف بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي المعتزلي (المولود سنة ٥٥٥ هـ والمتوفَّى سنة ٦٢٦ هـ) إلى نظم تلك الدرر، فألف كتابه العجيب المسمَّى "مفتاح العلوم في علوم العربية"، وأودع القسمَ الثالث منه - الذي هو المقصود من التأليف - مسائلَ البلاغة، دوَّنها على طريقة علمية صالحة للتدريس والضبط. فكان الكتابَ الوحيد اقتبسه من كتابَيْ الشيخ عبد القاهر ومن مسائل الكشاف في تفسير القرآن للزمخشري، فأصبح عمدةَ الطالبين لهذا العلم. وتتابع الأدباءُ بعده في التأليف في هذا العلم الجليل.

[فن المعاني]

المعاني علمٌ تُعرف به أحوالُ اللفظ العربي التي بها يكون بليغًا فصيحًا في إفراده وتركيبه (١). فالفصاحةُ أن يكون الكلامُ خالصًا, أي: سالِمًا مما يُعَدُّ عيبًا في اللغة بأن يَسْلَم من عيوبٍ تعرض للكلمات التي تركَّب منها الكلام، أو تعرض لمجموع الكلام (٢). فالعيوبُ العارضة للكلمات ثلاثة: الغرابة، وتنافر الحروف،


(١) يعني تعرف أحوال الألفاظ المفردة لتكون فصيحة، وتعرف أحوال الألفاظ المركبة - وهي الجمل والكلام - ليكون كلامًا فصيحًا وبليغًا. - المصنف.
(٢) أعلم أن الفصاحة من أخص أوصاف كلام العرب، وعدُّها في علم المعاني من حيث إنها شرطٌ في البلاغة؛ إذ لا يُعتدُّ بالكلام البليغ إلا إذا كان فصيحًا، فلما توقف وصفُ البلاغة على تعقل معنى الفصاحة ذكروها هنا لئلا يحيلوا المتعلم على علم آخر. وقد كان الشأن أن تُعدَّ الفصاحة من مسائل علم الإنشاء، والمتقدمون عدوها في المحسنات البديعية نظرًا لكونها حسنًا لفظيًّا، لكن الحق أن كونها أقوى اعتبارًا من البلاغة مانعٌ من عدها في المحسنات التي هي توابع. فالوجهُ عدُّها من مسائل الإنشاء، وأن ذكرها هنا مقدمة للعلم. وإنما اشترطت الفصاحة في تحقيق البلاغة؛ لأن الكلام إذا لم يكن فصيحًا لم تُقبل عليه أفهامُ السامعين، فيفوتها كثيرٌ مما أودعه المتكلِّمُ في كلامه من الدقائق. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>